سحابة بركان إتنا الكبريتية... وديوكسيد الكبريت اللبناني!

مشاركة


خاص اليسار

سوزان أبو سعيد ضو

تناقلت وسائل التواصل الإجتماعي في الفترة الماضية أخبار مرعبة حول سحاية ثنائي أوكسيد الكبريت أو ديوكسيد الكبريت أو ثاني أوكسيد الكبريت Sulfur Dioxide، واختصارا رمزه الكيميائي SO2 الذي انطلق على شكل سحابة مصدرها بركان إتنا Aetna في جزيرة صقلية الإيطالية، والمعروف بـ "جبل النار" بالعربية، إلى الدول العربية، من أن تأثيره سيطاول لبنان وسوريا بشكل خاص، ما أثار موجة من الرعب، وتساؤلات حول التعامل مع هذا الخطر الآني، فضلا عن أن اللبنانيين والسوريين، وفي الفترة السابقة، عانوا من كوارث متعددة طاولت بلادهم، حتى أصبح أي خبر صغير يُـصدّق، لا سيما السيء منها، وكأن الجزء الفارغ من الكأس هو الغالب على حياة وحاضر ومستقبل الناس، نتيجة الإحباط واليأس المتفاقم.

من جهة ثانية، أوضح المفوض في الدفاع المدني الإيطالي والاختصاصي في الكوارث الطبيعية ليوناردو كوربو حول هذه السحابة ومخاطرها مؤكدا أن: "لا شيء من هذا القبيل سيحدث، فمنذ الاف السنين والوضع على ما هو، ومختبراتنا تؤكد أن لا خطر على الشعوب المحيطة بالبركان كما أنه لا خطر على بلدان الشرق الأوسط".

جبل إتنا


أو جبل النار ارتفاعه 3350، في جزيرة صقلية الإيطالية، وهو الأعلى في أوروبا والأكثر نشاطا بركانيا، وهو أيضًا البركان الذي سجل أطول ثوران بركاني مستمر، وهو أحد المعالم السياحية والتاريخية الهامة في جزيرة صقلية، وعلى لائحة اليونسكو للتراث العالمي منذ العام 2013، كبركان القرن، وقد ثار منذ يومين للمرة 17 منذ شباط (فبراير) الماضي، وهي بداية نشاطه الزلزالي منذ أوائل هذا العام.
إلا أن نشاط هذا البركان مستمر من حوالي 500 ألف عام ، ومن أكثر من 8 آلاف عام أدى انفجاره إلى انهيار أرضي في جزئه الشرقي وتكوين valle de bov (وادي الثور) وإلى تسونامي ظهرت آثاره على شواطئ عدة من المتوسط.

مسؤول إيطالي يتحدث عن بركان إتنا... هل يهدد لبنان والشرق الأوسط؟

تاريخيا

أما أول انفجار بركاني لإتنا فقد سُجـّل في العام 329 قبل الميلاد على يد أجدادنا القرطاجنيين والمعروفين بالفينيقيين الغربين، وتعود أصولهم إلى الفينيقيين، حيث تمكن الجيش القرطاجي من دحر الجيش اليوناني بخدعة عسكرية مبتكرة بالإلتفاف حول الجبل المتفجر في معركة كاتانا Catana في صيف 397 قبل الميلاد، فبعد أن اشتبك الأسطول اليوناني بقيادة لبتين Leptines ، شقيق ديونيسيوس الأكبر Dionysius the Elder من سيراكيوز Syracuse، مع الأسطول القرطاجي تحت قيادة ماغو بالقرب من مدينة كاتانا في صقلية، كان الجيش اليوناني بقيادة ديونيسيوس موجودًا بالقرب من مدينة كاتانا أثناء المعركة، أما الجيش القرطاجي بقيادة هيملكو Himilco فكان متواجدا بعيدًا في المناطق الداخلية من صقلية، وأدى التفاف الجيش القرطاجي حول جبل إتنا المتفجر إلى هزيمة الأسطول اليوناني في المعركة، مما أدى إلى حصار القرطاجيين لسرقوسة في وقت لاحق عام 397 قبل الميلاد.
وفي العام 122 قبل الميلاد، أدى الإنفجار البركاني إلى انهيار منازل كاتانيا، واعفي على إثرها سكان المنطقة من الرسوم للامبراطورية الرومانية لعشر سنوات، وهناك سلسلة من الأحداث التاريخية المتعلقة بهذا البركان، إنما لا مجال لشرحها والإسهاب بها.
وخلال القرن الواحد والعشرين منذ عام 2000 ، تعرضت إتنا لأربعة ثورات بركانية في فوهات البركان الأربع - في 2001 و 2002-2003 و2004-2005 و2008-2009. حدثت انفجارات القمة في 2006 ، 2007-2008 ، يناير - أبريل 2012 ، في يوليو - أكتوبر 2012 ، ديسمبر 2018 ومرة أخيرة وفي 17 حدثا بركانيا في شباط (فبراير) 2021.

SO2 مصادر طبيعية وبشرية


بالعودة إلى سحابة SO2، فمركب ديوكسيد الكبريت SO2ينتج طبيعيا من البراكين ومنها بركان إتنا، ومن تخمر المواد الطبيعية من النباتات وغيرها، ولكن نسبة كبيرة منه (30 بالمئة) تنتج من النشاطات البشرية بحرق المواد النفطية، والنشاط الصناعي، ولا سيما المُـلوّثة منها مثل صناعة الإسمنت.
تأثيرات SO2 الصحية، تعتمد على الكمية وفترة التعرض وطريقة التعرض (الفم، الجلد، الرئتين)، ولجهة فترة التعرض فهناك تعرض لفترة قصيرة acute (14 يوما أو أقل) ، ومتوسط Intermediate (15-364 يوما) وChronic (365 يوما أو أكثر)، ويمكن الإطلاع على الآثار الصحية وفقا لـ " وكالة تسجيل المواد السامة والأمراض" Agency for Toxic Substances and Disease Registry (ATSDR)، كما يمكن الإطلاع على كامل التأثير السمي لهذا المركب هنا.
أما المكونات الأساسية للغازات البركانية هي بخار الماء (H2O) ، وثاني أكسيد الكربون (CO2)، والكبريت إما كثاني أكسيد الكبريت (SO2) (غازات بركانية عالية الحرارة) أو كبريتيد الهيدروجين (H2S) (غازات بركانية منخفضة الحرارة) ، والنيتروجين ، الأرغون، الهيليوم، النيون، الميثان، أول أكسيد الكربون، الهيدروجين وغيرها.

سحابة SO2


وقد أشارت الجهات المعنية في العراق كدوائر وهيئات الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، في كل من بغداد وأربيل بنفسها، نأت عن البت في الموضوع بدعوى عدم الاختصاص.
وحذر الخبراء من التهويل وبث الرعب، مؤكدين أنه مهما كانت مخاطر هذا الغاز محدودة، لكن توخي السلامة والاحتراز عبر الالتزام ببعض الاجراءات الوقائية الأولية البسيطة سيكون كفيلا بتجاوز هذه المشكلة بأقل الخسائر، بسبب تشتت هذه السحابة وبعد المسافة وتضاريس البلاد.
يؤكد رئيس دائرة التقديرات في مصلحة الارصاد الجوية في لبنان عبد الرحمن الزواوي عدم وجود اي خطر لهذه السحابة، كما أشيع، وقال إن "أي تحذير من خطر او تأثيرات محتملة لها لم تتبلغه مصلحة الارصاد الجوية من المؤسسة الاوروبية الالمانية لصور الستيلايت EUMETSAT"، مؤكد أنه "لم نتلق منها أي إنذار بخصوص هذه السحابة او تنبيه الى أي خطر يمكن أن تشكله على حركة الطيران".
أما رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية محمد كنج فقد أشار لإحدى المحطات التلفزيونية المحلية إلى "أن تأثير سحابة الانبعاثات من البركان محدود، وهو بركان محلي أثر إلى حد قليل على شمال تونس"، وشدد على أن "مراكز الأرصاد العالمية مدعمة بصور الساتلايت لم تحذر من هذا البركان على الملاحة الجوية، وعلى تكوين الأمطار الحمضية".

ديوكسيد الكبريت اللبناني!


أما الخطر الأكبر في لبنان، فيتمثل بالتلوث بهذا الغاز من النشاطات البشرية، منها حرق الوقود البترولي ولكن من أهم المصادر الصناعات الثقيلة كالإسمنت، والموجودة في سبلين ولكن تلك في قضاء الكورة بالتحديد لتواجدها بين الأحياء السكنية وعلى مقربة من المياه الجوفية، تشكل خطرا داهما، فإنه في كل أنحاء العالم، فإن صناعات الإسمنت تكون على بعد ما لا يقل عن 100 كيلومترا من التجمعات البشرية.
ومن الجدير ذكره أنه من آثار هذه الصناعة، كانت القضاء على الزراعات التقليدية مثل التين واللوز والعنب بسبب الأمطار الحمضية التي تتسبب بتلف للنباتات وضعف مناعتها وتعرضها للأمراض مما أدى إلى يباسها، وقد قدرت أعدادها بما يزيد عن 6 آلاف شجرة، عدا عن التلف لأشجار الزيتون التي تصاب بالأمراض، ما أدى إلى تأثر الإنتاج كمية ونوعية، حيث أن مادة SO2 تتحول نتيجة الرطوبة التي تتميز فيها منطقة الكورة إلى H2SO4 أي حامض الكبريتيك وهو من أكثر الأحماض ضراوة، أو ما يسمى بالأمطار الحامضية، وبتفاعل SO2 مع النيتروجين ومع الرطوبة والمياه بالجو يتحول بالإضافة إلى H2SO4 وهو أحد مكونات المطر الحامضي، ومن مكونات المطر الحامضي حامض النيتريك وغيرها من الأحماض.
بالإضافة إلى إنتاج الأمطار الحامضية، فإن الأمراض السرطانية والتنفسية والقلبية، هي من الأسباب الأساسية للوفيات في هذا القضاء نتيجة هذه الصناعة الملوثة. كما وأن مادة SO2 تتفاعل في الجو مكونات الأكسيدات الأخرى وتساهم بتكوين جزيئات التلوث المتناهية في الصغر PM2.5 وهي إحدى ملوثات الجو الخطرة التي تتغلغل في الرئتين وتتسبب بالأمراض التنفسية والتحسسية وتفاقمها، وهي إحدى معايير التلوث التي تعتمدها المراكز العلمية في العالم.
وفضلا عن المواد السامة الأخرى التي تنبعث كغازات، أو المعادن الثقيلة التي تترسب في التربة، وحتى في الهواء كالزئبق، الذي هو محور ادعاء من دول الجوار في المتوسط على لبنان، بسبب تلويثه البحر بهذا المعدن وغيره من المعادن الثقيلة، فإن هذه المعامل تستعمل أسوأ أنواع الفحم البترولي أو الوقود النفطي الثقيل المعروف بالـ "البتروكوك" المتدني النوعية الذي لا يقبل أحد به، بل تستقدمه هذه المعامل لاستعماله في أفرانها بهدف تصنيع الإسمنت الذي يتطلب حرارة عالية، وقد أكد متابعون أن البتروكوك الذي تستخدمه هذه المعامل وصل في بعض الفترات إلى 6 و7 بالمئة كبريت، كما وتؤدي النفايات السامة الناتجة إلى تلويث أكبر بحيرة للمياه الجوفية في الشرق الأوسط وهي بحيرة الجرادة والتي قدر الفرنسيون أنها تنتج 100 ألف متر كل يوم.
في الوقت الذي تبدو فيه، وزارة البيئة في لبنان في سبات عميق، ولا تتابع ما تقوم به هذه الشركات من ارتكابات بيئية، كما أن اللجنة المشكلة لبحث هذا الملف، لم تشمل ضمن أعضائها أي من أفراد المجلس الوطني للبحوث العلمية، الذراع العلمية للحكومة، لمتابعة هذا الملف علميا، وهو ما يسجل على الحكومة، بسماحها والتغاضي عن مسألة طلب استيراد مادة الإسمنت مرارا من قبل المواطنين، كون احتكار الشركات، جعل هذه المادة في لبنان من أغلى المواد في العالم، بينما يمكن استيراده من الشقيقة مصر بأقل من الثلث، وكون هذا الملف متشعب للغاية، فللحديث تتمة!

 







مقالات ذات صلة