خلد الماء الأسترالي العجيب... الحيوان الثديي الذي يـبـيـض!
سوزان أبو سعيد ضو
حيرت عينة من الحيوان المسمى بـ "خلد الماء" والذي يشار إليه أيضا بـ "خلد الماء ذو منقار البط" العلماء بعد فحصهم لها، واعتقدوا أنها خدعة كونه خليطا من أنواع أكثر شيوعًا ومن الطيور والزواحف والثدييات في وقت واحد، فهو يشبه البطة لجهة (المنقار والأقدام المكففة أي وجود غشاء يجمع بين أجزاء أطرافها)، والقندس (الذيل) ، وثعالب الماء (الجسم والفراء)، والتماسيح في طريقة السباحة الخلفية، كما وأن الذكور أيضا لديها مخلب يحتوي مادة سامة، لديها لاسعات حادة في كعوب أقدامها الخلفية ويمكنها استخدامها لتوجيه ضربة سامة قوية لأي عدو، أما الإناث فتبيض بين بيضة إلى إثنتين تقوم بحضنها لفترة 10 أيام، لتفقس وتقوم بإرضاع الصغير بعد ذلك!
هذه الصفات جعلت العلماء ينظرون إلى خلد الماء أو platypus واسمه العلمي Ornithorhynchus anatinus على أنه شبيه بفرانكنشتاين الحيوانات، ولكنه نتاج تطور من نوع يميز القارة الأسترالية، وهو حيوان شبه مائي، والممثل الحي الوحيد لعائلته Ornithorhynchidae والجنس (Ornithorhynchus) ، على الرغم من ظهور عدد من الأنواع ذات الصلة في السجل الأحفوري، ولكنه ليس الثديي الوحيد الذي يبيض، بل هناك 4 أنواع من حيوان آكل النمل الشوكي spiny anteaters والتي تعيش في أستراليا وغينيا الجديدة، وموطنه الأساسي شرق أستراليا بما في ذلك تسمانيا جنوبا، علما أنه موضوع على لائحة الحيوانات المعرضة للإنقراض في جنوب أستراليا لأعداده القليلة والتهديدات التي تطاوله.
ومن مميزات هذه الثدييات الأسترالية أنها تتغذى على محتويات قاع الأنهر والمسطحات المائية التي يعيش فيها وحولها، وتفقد هذه الحيوانات أسنانها عند البلوغ، وتستعيض عنها بالتقاط الحشرات واليرقات والمحار والديدان في منقارها جنبًا إلى جنب مع قطع من الحصى والطين من القاع، يتم تخزين كل هذه المواد في أكياس توجد في خدودها، وتساعد قطع الحصى على "مضغ" فرائسه، التي يتمكن من تحديد مكانها بطريقة الإستقبال الكهربائي electrolocation، وهي قدرة بيولوجية تمكنه من إدراك المحفزات الكهربائية الطبيعية، والتي لوحظت بشكل حصري تقريبًا في الحيوانات المائية أو البرمائية، كون الماء موصل للكهرباء وأفضل بكثير من الهواء، والاستثناءات المعروفة لهذه الخاصية هي monotremes والتي ينتمي إليها خلد الماء platypuses وآكل النمل الشوكي echidnas والصراصير والنحل، وتستخدم خاصية الاستقبال الكهربائي في تحديد الموقع الكهربائي (الكشف عن الأجسام والفرائس) وللاتصالات الكهربائية بين أفراد النوع.
يختلف الوزن بشكل كبير بين الذكور والإناث حيث يكون الذكور أكبر من الإناث، ويتراوح بين من 0.7 إلى 2.4 كغم، يبلغ متوسط الطول الإجمالي للذكور 50 سم، بينما يبلغ متوسط طول الإناث 43 سم، مع تباين كبير في متوسط الحجم من منطقة إلى أخرى. لا يبدو أن هذا النمط يتبع أي قاعدة مناخية معينة وقد يكون بسبب عوامل بيئية أخرى، مثل الافتراس والتعدي البشري على موائلها.
ويبلغ متوسط درجة حرارة خلد الماء حوالي 32 درجة مئوية وهي درجة متدنية بدلاً من 37 درجة مئوية النموذجية للثدييات المشيمية (الولودة)، تشير الأبحاث إلى أن هذا كان تكيفًا تدريجيًا مع الظروف البيئية القاسية.
بينما يولد كل من خلد الماء من الذكور والإناث مع نتوءات في الكاحل ، فإن الإناث تفقدها بعمر ثلاثة أشهر، وهذه النتوءات الموجودة على كاحلي ظهر الرجل فقط هي التي تولد السم لدى الذكور، تتكون بشكل كبير من بروتينات شبيهة بالديفينسينdefensin-like proteins (DLPs) ، ثلاثة منها ينفرد بها خلد الماء. ويتم إنتاج DLPs بواسطة الجهاز المناعي لخلد الماء، تتمثل وظيفة الديفينسين في التسبب في تحلل البكتيريا المسببة للأمراض والفيروسات، ولكن في خلد الماء كوسيلة للدفاع. على الرغم من قوة السم الكافية لقتل الحيوانات الصغيرة مثل القطط والكلاب، إلا أن السم ليس قاتلاً للإنسان، فآثاره لا تهدد حياة البشر، لكنها مع ذلك قوية بما يكفي لإضعاف الضحية بشكل خطير، ويسبب ألما شديدا للغاية، ويتطور الورم بسرعة حول الجرح وينتشر تدريجيًا في جميع أنحاء الطرف المصاب. تشير المعلومات التي تم الحصول عليها من تاريخ الحالات إلى أن الألم يتطور إلى فرط التألم طويل الأمد (حساسية عالية للألم) يستمر لأيام أو حتى شهور، ويتم إنتاج السم في غدد على شكل الكلى لدى الذكور فقط، ويبدو أن للسم وظيفة مختلفة عن تلك التي تنتجها الأنواع غير الثديية ؛ نظرًا لأن الذكور فقط هي التي تنتج الذين السم ويزداد الإنتاج خلال موسم التكاثر، فيمكن استخدامه كسلاح هجومي لتأكيد الهيمنة خلال هذه الفترة.
وختاما، لا يمكننا إلا التأمل في مخلوقات الطبيعة وأن ندعو دوما للحفاظ عليها وفي كل مكان!