الزهرة الشبح... شيطان في زي ملاك!

مشاركة


البيئة تنوّع بيولوجي

سوزان أبو سعيد ضو

تبهرنا الطبيعة كل يوم، بما تجود به من معارف ومعلومات ودروس ودوما أحاول الإبتعاد عن الشخصانية في مقالاتي، ولكن في حالة الزهرة الشبح، وقد وصفتها شيطان في زي ملاك، تؤكد ما تلهمه الطبيعة ليس للعلماء والباحثين فحسب، بل للكتاب والشعراء والفنانين وفي كافة المجالات.

Photo by Karen Hackenberg


الفضول أساس المعرفة


وجاء التعرف على هذه النبتة بالصدفة، بعد أن شاهدتها على إحدى الصفحات على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، ولم تذكر تلك الصفحة معلومات عنها، وبعد أن سحرتني بشكلها "الملائكي" وأصابتني الحيرة، فهي لا تبدو نباتا، ولكن لا يمكن أن تكون نوعا من الفطر كونها تحتوي ما يشبه الزهرة، وبالطبع أصابني الفضول العلمي، ولم يسعفني استعمالي أحد التطبيقات للتعرف على النباتات، ولم أجد طريقة إلا عرضها على صفحتي الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" ليتمكن الأصدقاء من التعرف عليها، وأبدأ بالبحث عن كل ما يتعلق فيها، إشباعا لهذا الفضول والنهم العلمي الذي استمد منه الكثير من الطاقة والأمل والحياة.


الزهرة الشبح

وتبين أن فضولي في محله، فهذه النبتة تسمى Monotropa uniflora وتسمى أيضا "الزهرة الشبح" ghost plant أو " الأنبوب (الغليون) الشبح" or ghost pipe أو "الأنبوب الهندي" Indian pipe، كما وتسمى "النبتة الجثة" corpse plant وتنتمي إلى رتبة Ericales وعائلة Ericaceae، وتحتوي أكثر من 4 آلاف نوعا Species ضمن 126 جنسا Genus، وتتميز بأن أزهارها ملتصقة على شكل أنابيب، وتحتوي أشجارا ونباتات عدة وبعضها من التوتيات Berries، أما هذه النبتة بالذات فهي عبارة عن نبات عشبي معمر موطنه المناطق المعتدلة في آسيا وأميركا الشمالية وشمال أميركا الجنوبية في المناطق المظللة وتتواجد قي تربة غنية بالمغذيات Humus، ولكن مع وجود مسافات كبيرة بين المناطق التي تتواجد فيها.

 


شيطان في زي ملاك

وعلى الرغم من شكلها الملائكي، يجوز في هذه النبتة القول بأنها شيطان في زي ملاك، إذ وبسبب عدم احتوائها على الكلوروفيل وهي الصبغة النباتية التي تمكن النبات من حصاد أشعة الشمس للحصول على الكاربوهيدرات (النشويات) الضرورية لغذائها، لذا تعيش متطفلة على النباتات الأخرى، إنما بشكل غير مباشر، فهي تنتمي إلى النباتات من نوع mycoheterotrophic أي أنها تعيش في ارتباط وثيق مع أنواع من الفطريات في التربة mycorrhizal fungus التي تكتسب منها معظم غذائها. تعيش الفطريات بدورها على أشجار الزان المجاورة والأشجار الأخرى، وبالتالي فإن الكثير من الطاقة التي تذهب في النهاية إلى الأنبوب الهندي هي نتاج عملية التمثيل الضوئي من النباتات عبر الفطر وإليها، إلا أنها بالمحصلة تسرق الغذاء من الفطريات ولا تعطي شيئا بالمقابل!
ينشأ النبات من كتلة متشابكة من الجذور، تنمو السيقان بطول 15-25 سم (6-10 بوصات)، وتفتقر إلى الكلوروفيل، يكون الساق أبيض اللون أو وردي أو أحمر (نادرًا)، ذات قوام شمعي يشبه الفطريات، إذا جف، يتحول إلى اللون الأسود. أما الأوراق فهي صغيرة وشفافة تشبه الحراشف وتخرج مباشرة من الساق بدون غصن، ويحمل كل ساق منها زهرة واحدة، عديمة الرائحة، متدلية، على شكل فنجان بها أربع أو خمس بتلات تحمل عند طرف الساق، وعندما تخرج من التربة، تتجه زهرة الشبح إلى أسفل، وعند النضج تصبح منتصبة بما يتماشى مع الساق، أما الثمرة عبارة عن كبسولة بيضاوية، تتضخم وتتحول إلى اللون الأسود عند النضوج.

التركيبة الكيميائية

النبات صالح للأكل للمغامرين إنما بكميات صغيرة. يقال أن ليس لها نكهة تذكر إن أكلت نيئة، لكن عند طهيها فتشبه نكهتها الهليون. لكن يحذر من تناول الكثير كونها تحتوي على غليكوسيدات (مركبات تساعد على تخزين السكريات) ويمكن أن تكون سامة إذا تم تناولها بكميات كبيرة.
على الرغم من وجود القليل جدًا من المعلومات المتعلقة بكيمياء Monotropa Uniflora في النصوص والمجلات العلمية، إلا أن هناك عددًا من المصادر التي تشير إلى استخدامها التاريخي كبديل للأفيون، إذ لها خصائص مهدئة قوية، حتى أن البعض يدعي أن الجرعات الكبيرة " يمكن أن تجلب نومًا عميقًا وأحلامًا شديدة الوضوح، وغريبة في كثير من الأحيان.
تشير بعض المصادر إلى أن هذا النشاط قد يكون بسبب وجود تركيزات عالية من حمض الساليسيليك salicylic acid، بينما يقترح البعض الآخر أن النبات يحتوي على كميات صغيرة من أندروميدوتوكسين . Andromedotoxin
وحمض الساليسيليك هو حمض الفينول الطبيعي الذي ينتج عن التمثيل الغذائي للساليسين، يعمل حمض الساليسيليك كهرمون نباتي (في بيولوجيا النبات) وكمستقلب نشط للأسبرين (في الطب). يعمل حمض الساليسيليك، مثله مثل معظم الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) ، على تثبيط نشاط COX ، وهو إنزيم مسؤول عن إنتاج المركبات المسببة للالتهابات في الجسم. من المفهوم على نطاق واسع أن مثبطات COX-2 لها خصائص مهدئة ومسكنة ، وعلى الرغم من أن حمض الساليسيليك لا يثبط COX بشكل مباشر، فمن المحتمل أن يحتوي على بعض الخصائص المهدئة والمسكنة من خلال مسارات غير مفهومة تمامًا.
أما أندروميدوتوكسين هو سم غرايانوتوكسين Grayanotoxin، وهي مجموعة من السموم الموجودة في العديد من الأنواع النباتية، ولكن بشكل أساسي في نباتات "رودودندرون" Rhododendrons، إذ يمكن أن يتسبب العسل المصنوع من نباتات تحتوي على السموم البيضاء في حدوث تفاعل سام نادر جدًا يسمى تسمم جرايانوتوكسين، أو تسمم بالعسل أو تسمم رودودندرون.
ولا يمكن أن تعيش هذه الزهرة بدون شبكة الدعم تحت الأرض من الفطريات لتزويدها بالمياه والمغذيات، لذا فمحاولات زرعها باءت بالفشل، تذكرنا هذه الزهرى بمصاصي الدماء الأبيض الصغار، فقد نحتت هذه النباتات التي تفتقر إلى الكلوروفيل مكانًا فريدًا في شبكة الغذاء الأساسية ويتم الاستمتاع بها بشكل أفضل في بيئتها الطبيعية.

ملهمة للشعراء والأساطير


وقد ألهمت هذه الزهرة الشاعرة إيميلي ديكنسون فكتبت فيها هذه القصيدة
White as an Indian Pipe
Red as a Cardinal Flower
Fabulous as a Moon at Noon

 

وهناك أسطورة لدى الهنود الأصليين الشيروكي في الولايات المتحدة عن الزهرة، وتقول الأسطورة أنه منذ زمن بعيد، عندما دخلت الأنانية العالم لأول مرة، بدأ الناس في الشجار، أولاً مع عائلاتهم وبين أفراد القبيلة، ثم مع القبائل الأخرى، عندها اجتمع رؤساء القبائل العديدة معًا لمحاولة حل مشكلة الشجار، وقاموا بتدخين غليون سلام معًا، مع استمرار الشجار فيما بينهم للأيام والليالي السبع التالية، وكعقوبة لتدخين غليون السلام قبل صنع السلام الحقيقي، حولت الروح الرؤساء إلى زهور رمادية تشبه الغليون وجعلتهم ينبتون حيث كان الأقارب والأصدقاء يتشاجرون.







مقالات ذات صلة