مبادرة لمجموعة درب عكار: "لزاب" آلية للإنقاذ الجبلي ومكافحة الحرائق
سوزان أبو سعيد ضو
يثبت المجتمع المدني يوما بعد يوم قدراته على مواجهة التحديات الكثيرة وسط الأزمة الإقتصادية والوباء الذي غيّر وجه الكون بأكمله، وفي هذا المجال، تتصدر مجموعة "درب عكار" وهي مجموعة من الشباب المتطوع في مجال البيئة والإستدامة، ومن ضمن إنجازاتهم الكثيرة، كان آخرها "لزاب" Lezzeb وهي آلية مختصة شاملة بمكافحة الحرائق في المناطق الجغرافية الوعرة، والإنقاذ الجبلي في موسم الثلوج، وتيمنا بشجرة فريدة من نوعها كانت تزين أحد سفوح جبال عكار، والتي كانت على إحدى دروب المشي فيها، وقضت عليها الحرائق الأخيرة.
الفحل: سنة كارثية لجهة الحرائق
وعن اسم الآلية قال الناشط حاتم الفحل: "الاسم هو لشجر اللزاب الصلب ومستوحى من إحدى اشجار اللزاب، الصديقة لدربنا، والتي أتت عليها إحدى الحرائق فأنهت وجودها، يومها تعاهدنا على إطلاق حملة تبرع لانشاء وتجهيز وحدة تدخل سريع مساعدة للدفاع المدني في عكار، حيث أن هذه السنة كانت كارثية على منطقة عكار ككل وطبيعتها الجميلة".
وتابع الفحل: "بدأنا بالحملة ويومها علت بعض الأبواق التي شكلت باستحالة وصولنا للهدف وخصوصا أن التكلفة قد تصل الى أكثر من 25 الف دولار، أي بسعرها الحالي ما يزيد عن مئتي مليون، لكننا وضعنا الهدف نصب أعيننا، وانطلقنا وبعد أشهر ليست بالكثيرة، ومع دعم محبي الطبيعة والبيئة، وصلنا لما وصلنا إليه اليوم وتم تجهيز الآلية بالعتاد الكامل بأجود المعدات وأفضلها"، ولحظ الفحل" الشجرة التي تطعمنا اليوم خيراً كانت بالأمس بذرة".
وطرح الفحل هذا المشروع أمام أهله في جبل أكروم للقيام بمشروع مماثل، كون المنطقة بأكملها لا تتواجد فيها إلا آلية واحدة للدفاع المدني لتغطي مساحة كبيرة للغاية وقال: "نسأل الله لنا ولكم أن يكون صدقة جارية، راجين دعمكم من اتحاد وبلديات جبل اكروم والذين أكرمهم الله من ماله ومن محبي الطبيعة وكل من يريد ان يكون له نصيب خير في هذه البادرة الطيبة" وخص الفحل أبناء الجبل في الاغتراب، وقال "أتمنى وأحلم أن يكون عندنا آلية واحدة لنتمكن من حماية الجبل من الكوارث التي طاولته خلال هذا العام وحماية بيئتنا الفريدة وتنوعها البيولوجي"
طالب: آلية واحدة لمساحة كبيرة
وقال المهندس الزراعي علي طالب وخبير النباتات في مجموعة "درب عكار": "لقد واجهنا موسماً صعباً للغاية لجهة عدد الحرائق والمساحة التي قضت عليها في منطقة عكار، وما فاقم منها في كثير من الاحيان هو عدم توفر سوى آلية واحدة للدفاع المدني في منطقة جرد القيطع تغطي لوحدها مساحة كبيرة أي اكثر من 150 كلم مربع معظمها من الغابات والاحراج، وهي غير مؤهلة اساساً لحرائق الغابات، فكانت المكافحة اليدوية هي وسيلتنا الاساسية لإخماد الحرائق والسيطرة عليها خصوصا في المناطق الوعرة".
وتابع طالب: "امام هذا المشهد الأسود والقاتم الممزوج برماد ورائحة الأشجار المحترقة، كان لا بد من بارقة أمل تُنقذ ما تبقى من هذه المنظومة الطبيعية وتحافظ عليها، لتأتي فكرة إعداد فريق للتدخل السريع لمكافحة الحرائق وجمع التبرعات لتجهيز آلية رباعية الدفع تُخصص لمكافحة الحرائق والإنقاذ الجبلي، يمكنها الوصول إلى أكثر المناطق وعورة والمساهمة في إطفاء الحرائق بشكل سريع وفعال".
وأضاف: "وبالفعل فإن حملة التبرعات انطلقت مع بداية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، واستطاعت جمع حوالي 20 ألف دولار من اصل المبلغ المستهدف وهو 25 الف دولار، وتمكنّا خلال فترة ثلاثة أشهر تقريباً وبهذه الميزانية المتواضعة من شراء وتجهيز آلية سميّناها (لزّاب) واتخذنا من شجرة اللزاب التي احترقت في حريق بلدة مشمش شعاراً للفريق واسماً للآلية، لما تمثله ايضاً هذه الشجرة من ايقونة للجبال اللبنانية وتشتهر بصلابتها ومقاومتها للظروف والعوامل القاسية".
وأشار طالب إلى أن "آلية واحدة لا تكفي المنطقة، ونستعيض عن النقص بالآليات، بخطة متكاملة لإدارة الكوارث تعتمد على:
- الوقاية والتوعية
- الرصد والانذار المبكر
- التدخل السريع لمكافحة الحرائق
- الدعم والمؤازرة".
صعب: آلية بمهام كبيرة
وأشار المهندس الزراعي والمختص بالحشرات والزواحف عبد الهادي صعب إلى أن "الهدف هو حماية التنوع البيولوجي الذي تعرض لأكبر كارثة في هذه الحرائق، ففي حين ان النباتات قد تعاود تجددها الاّ ان مواقع هامة للحشرات قد تكون مُحيت تماماً، خصوصا وأنه ليس لدينا أي قاعدة معلومات، توثق أنواع وأعداد الحشرات التي تشكل جزءا هاما من المنظومة البيئية، وهذا الأمر خطير وله تبعات على صعيد المنظومة الايكولوجية كاملةً".
وتابع صعب: " الوصول الى التصميم الأفضل والاكثر فعالية في البيئة الجبلية اللبنانية لم يكن بالامر السهل بتاتاً، فالتوزان بين الحاجة وبين الميزانية كان كابوساً بحد ذاته، قضينا عشرات الساعات في البحث عبر الانترنت وفي السوق اللبنانية لاختيار الآلية المناسبة للقيام بمهام كبيرة، علماً أنه توجد آليات مماثلة في العديد من دول العالم، لكنها مُكلفة جداً ولا تُناسب البيئية اللبنانية، ولذلك تم تصميم الالية "لزاب" وتجهيزها بالمعدات المناسبة لخوض مهمات شاقة تتناسب مع بيئتنا الجبلية، وقد تولى خالد طالب وهو مؤسس المجموعة هذه المهمة مع وضع التصور العام والمخططات الشاملة للمشروع والتنسيق مع باقي الفريق عند كل مراحل التنفيذ، وعلى الرغم أن البحث كان مضنيا، فقد تم الخروج بتصميم نهائي مع الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
- تزويد الالية بمضخات عالية الضغط والقدرة، مع خراطيم تستطيع بلوغ عمق اي حريق.
- خزان فايبر غلاس خفيف الوزن يحتل كامل الصندوق الخلفي ومفصل على مقاسه مع 6 قواطع، لخفض نقطة الجاذبية ومنح الالية ثباتاً على الطرقات الوعرة.
- تزويد الالية بمعدات يدوية (مقصات تشحيل، مناشير..) ومخابط لاطفاء الحريق.
- تزويد الالية بمنشار حطب بنزين وجزازة عشب.
- تزويد الالية بمطافئ يدوية بوزن 6 كلغ للواحدة نوع ثاني اوكسيد الكربون وبودرة.
وغيرها من المعدات التي تُساعد في هذه المهمة.
وكل عمليات التعديل والإضافات على الالية تمت محلياً في عكار".
أما عن الموصفات العامة للآلية فأوضح طالب النقاط التالية:
- نوع المركبة وطرازها: Nissan Titan mod 2008 أربعة أبواب
- نوع المحرك وسعته V8 5.6
- دفاعات فولاذية سماكة 4 ملم من الامام والخلف مع تدعيم للهيكل.
- ونش بقدرة سحب 6 أطنان.
- خزان فايبر غلاس سعة 1100 ليتر مطلي بمادة مقاومة للحرائق.
- مضخة اساسية قدرة 14 حصان مع خراطيم 10 ملم بطول 400 متر.
- مخضة ثانوية قدرة 5 حصان مع خراطيم 1.5 انش بطول 150 متر.
- صندوق خلفي مع شبك علوي يستطيع حمل كل المعدات اللازمة.
- كل المعدات المذكورة قابلة للفك والتركيب على الالية بشكل سهل وسريع.
وقال صعب: "الآلية اليوم شارفت على الانتهاء وستوضع قريباً في الخدمة، وهي تتمركز في بلدة مشمش ضمن موقع وسطي يمكنها من الوصول لأي حريق او مهمة داخل المنطقة، في مدة لا تتعدى 25 دقيقة على الأكثر"، وأضاف أن "المجموعة لا زالت تتلقى بعض التبرعات الخجولة لاستكمال تجهيز الآلية، وهي مؤثرة وإن كانت متواضعة"، وأردف: "كل بلدية او جهة لديها القدرة على القيام بمثل هذا المشروع الذي يُشكل عنصر مؤازرة للدفاع المدني الذي يمر حالياً بصعوبات نتيجة نقص التمويل وتوقف عدد كبير من آلياته للصيانة، فنحن هدفنا تقديم الدعم والمساندة وليس أخذ مكان أي أحد".
وقال:"لقد كانت تجربة رائعة خضنا معها تحديات كبيرة واستطعنا توفير ما لا يقل عن 8 إلى 10 آلاف دولار من التكاليف العامة، كوننا عملنا بأنفسنا على شراء القطع المستخدمة في تجهيز المركبة، ويمكننا اليوم تجهيز مركبات وآليات فعالة لهذه المهمات بسعر يبدأ من 15 ألف دولار، وأن نصل لتجهيز مركبة خارقة المواصفات بسعر قد لا يتخطى 30 ألف دولار، علما أن آليتنا قد كلفت حتى الآن ما لا يزيد عن 20 ألف دولار".
وختم صعب: "في النهاية لا يسعنا سوى شكر كل من ساهم في دعمنا وتبرع لأجل هذه المهمة التي نعتبرها ـمانة في اعناقنا، ونعاهد الجميع أننا سنكون على قدر المسؤولية".
متري: ثروة مهدورة
وقد كان لمنطقة عكار الحصة الأكبر من الأضرار في الحرائق الأخيرة، وهي من أغنى المناطق بالتنوع البيولوجي، وقد أتت النيران في هذه السنة على الغابات ذات الأشجار المعمرة التي تعتبر ثروة مهدورة من الصعوبة بمكان تجددها والتي على ارتفاعات شاهقة مثل اللزاب والأرز والشوح، وفقا لما كتبه مدير برنامج الأراضي والموارد لطبيعية في جامعة البلمند، الدكتور جورج متري على صفحته الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك".
الصورة من صفحة الدكتور جورج متري على موقع "فيسبوك"
ولفت متري في هذا المجال إلى أنه "بلغت تكاليف المكافحة الجوية للحرائق في العام 2020 حوالي 400 ألف دولار أميركي، والتي كان يمكن أن تمول إنشاء وتجهيز 36 وحدة تطوعية محلية للتدخل المبكر في الحرائق أو صيانة وإدارة عشرات الهكتارات من الغابات ذات المخاطر العالية، بالمقابل بلغت التكاليف المباشرة لفقدان 50 هكتارًا فقط من الغابات المنتجة في عام 2020 ما يقارب من 12 مليون و500 ألف دولار أميركي، كان يمكن أن تمول إنشاء وتجهيز 1250 وحدة تطوعية محلية للتدخل المبكر في الحرائق أو صيانة وإدارة آلاف الهكتارات من الغابات ذات المخاطر العالية، ومن جهة ثانية، بلغت التكاليف المباشرة وغير المباشرة للأراضي المحترقة والتي وصلت مساحتها أكثر من 7000 هكتار في عام 2020 ملايين الدولارات، ورأى متري أنه مع القليل من الاستثمار في الإدارة المحلية لمخاطر الحرائق يمكننا توفير الكثير من التأثيرات المجتمعية والخسائر الاقتصادية والبيئية.
الصورة من صفحة الدكتور جورج متري على موقع "فيسبوك"
وكان الواقع الأليم مساهما في اندلاع الحرائق وانتشارها، مع عدم جهوزية آليات الدفاع المدني عدة وعتادا وعناصر، حيث ساهم الإهمال لهذا الملف والتعامل معه من قبل الحكومات المتعاقبة في عدم قدرة الدفاع المدني بالتعامل مع عديد الحرائق التي كانت معظمها مفتعلة، والتي ساهم المناخ الجاف، والغطاء النباتي الكثيف في اندلاعها وانتشارها، فضلا عن وعورة المناطق التي امتدت اليها الحرائق بسبب الرياح وخصوصا في عكار، وكانت مطالب متطوعي الدفاع المدني تلقى وعودا جوفاء على مدى أكثر من عقدين من الزمان، بينما الهدر والفساد في الدولة مستشري، والأموال محجوبة عمن يستحقها فعلا، وهم هؤلاء المتطوعون الذين يبذلون أنفسهم في حماية الطبيعة والبيئة، بينما لم يتم تثبيت العناصر أو تأهيلهم عبر دورات متخصصة للقيام بما يلزم في حالات الحرائق المتوسطة والكبيرة وخصوصا مع وتيرة الحرائق التي كانت حصيلة كل يوم في موسم الحرائق تصل بين 3 وحتى أكثر من 10 حرائق.