"إليسار نيوز" Elissar News

مشاركة


لبنان اليوم

 

سوزان أبو سعيد ضو

هو شعور ليس له مثيل، إذ تسنح الفرصة لأي شخص في وصف اكتشاف جديد في التنوع البيولوجي لوطننا لبنان، فكيف الحال بما يشعر به صاحب هذا الإكتشاف، هل يشابه شعور "أرخميدس" عندما صرخ Eureka، وربما هو شعور غامر أكثر، فما اكتشفته مجموعة "درب عكار" وتم توثيقه علميا من قبل البروفسورة في الجامعة اليسوعية المختصة بعلوم الحياة والأرض Département Sciences de la Vie et de la terre  ماغدا بو داغر خراط، هي زهرة "سوسن البازلت" النادرة والرائعة الجمال، والمهددة بالإنقراض، وليس ذلك فحسب، بل تم اكتشافها للمرة الأولى في لبنان وبأعداد لا بأس بها، وفي مشهدية لا يمكن وصفها، تتكامل مع مناظر ونباتات وأشجار منطقة عكار الخلابة، التي تصر "مجموعة درب عكار" على متابعة الجهود لاكتشاف مخبوءاتها من الكنوز الطبيعية، مستثمرين جهودهم وبإمكانيات ضئيلة، وبإيمان راسخ بهذا الوطن، وهم يبنون لُبنة لُبنة وحجرا حجرا، جسور الأمل فوق هوات اليأس والقنوط التي تملأ قلوب المواطنين.

وفي وصف هذه الزهرة الليلكية "سوسن البازلت" واسمها العلمي Iris basaltica  ،التي تشبه كثيرا سوسن صوفر، فهي زهرة مكافحة، غرزت جذورها في صخور البازلت البركانية السوداء، متحدية تربتها الصلبة والطبيعة القاسية التي تعيش فيها، إذ تنمو على ارتفاع يتجاوز 1300 مترا، لتنبت كل هذا الجمال، وسط أشجار الأرز واللزاب والشوح والسنديان وغيرها من النباتات والأشجار البرية التي تنمو على هذا الإرتفاع.

وكتبت المجموعة على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك":"بجهودٍ استمرت لعدة سنوات من المراقبة والتحليل للعينات، أعلن فريق (درب عكار) بالتعاون مع الدكتورة ماغدة بو داغر خراط، في مقالة نُشرت في احدى المجلات العلمية، عن اكتشاف زهرة جديدة تُضاف الى قائمة الأزهار البرية في لبنان، وهي زهرة سوسن البازلت النادرة، والتي تنمو حصراً في التربة البازلتية لأعالي جبال عكار، وقد عُثر على اكثر من 5 مواقع تضم تجمعات كبيرة من هذه الأزهار، والتي كان يُعتقد انها انقرضت حتى تم العثور على عينات منها قبل عدة سنوات في منطقة حمص في سوريا على مقربة من الحدود اللبنانية".
ووصف المنشور الإكتشاف أنه "بحسب النشرة الحمراء الصادرة عن الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة ومواردهاIUCN Red List، فإن هذه الزهرة مهددة بالانقراض فعلاً وهناك نقص في المعلومات المتعلقة بموائلها وأماكن انتشارها، ليكون هذا الاكتشاف بمثابة كنز حقيقي للتنوع الطبيعي في لبنان وسوريا والعالم، خاصة وان سوسن البازلت كان يعتبر من الانواع المتوطنة في سوريا فقط."
وبالتفصيل تابع البيان حول أنواع السوسن في لبنان "الجدير بالذكر ان لبنان يضم 7 انواع من السوسن المتشابهة نوعاً ما فيما بينها، ولكنها تتواجد في مناطق معزولة جغرافياً عن بعضها البعض وهذه الانواع هي:
- Iris antilibanotica Dinsm.
- I. bismarckiana Damman & Sprenger
- I. cedreti Dinsm.ex Chaudhary
- I. lortetii Barbey ex Boiss.,
-I.sofarana f. kasruwana (Dinsm.) Mouterde
- I.sofarana f. westii (Dinsm.) Mouterde
- I. sofarana Foster s.str.
وتابع المنشور: "هذا وتقوم الدكتورة ماغدة بو داغر خراط بدراسات جينية في مختبرات الجامعة اليسوعية لتبيان مدى تفرد وتميز كل نوع من الانواع المذكورة سابقاً".

ومن الجدير ذكره أننا كنا قد اوردنا في مقال عما اكتشفته المجموعة العام الماضي وهو نوع من السحلبيات "الأوركيد الأناضولي" Anatolian Orchid، واسم هذه الزهرة العلميOrchis anatolica albiflora، وتتابع المجموعة توثيق النباتات والأزهار في المنطقة، فضلا عن رحلات المشي في ربوع المنطقة، للتعريف عنها ووضعها على خارطة السياحة البيئية.

ومن جهتها أشارت البروفسورة أبو داغر خراط إلى أن "هذه المرة الأولى التي توثق فيها زهرة سوسن البازلت في لبنان، علما أنها كانت تتواجد في سوريا على الحدود بين سوريا ولبنان في منطقة بازلتية، وتعتبر على شفير الإنقراض هناك، وأهمية هذا الإكتشاف أنه ليست المرة الأولى التي يوثق وجودها في لبنان فحسب، بل أنها متواجدة وبكثرة، ولكنها على أراضٍ خاصة، وهذا ما يخيفنا على مستقبل هذه الزهرة"، وتابعت: "نقوم بدراسات معمقة وخاصة، لتحديدها جينيا ولنتمكن من التفريق بينها وبقية أنواع السوسن في لبنان، وحاليا عملية التوثيق تعتمد على المحيط البيئي الذي تتواجد فيه، حيث يتفرد كل نوع من السوسن، بتواجده في نظام بيئي خاص، وفقا للتربة الخاصة بها، والإرتفاع فضلا عن الصخور التي تنبت في محيطها، وهذا النوع من السوسن، لا يتواجد إلا على الصخور البازلتية، ولا يمكنه النمو إلا ضمن هذا النظام من الصخور، وسنتابع في العام المقبل الدراسات الجينية على هذا النوع لتحديد التوثيق الجيني لهذا النوع".

ونوهت أبو داغر خراط بنشاطات ومهنية مجموعة "درب عكار" فقالت: "على الرغم من عدم تخصصهم في العلوم وخصوصا في علم النبات Botany، فإن المجموعة لديها وعيا بيئيا، مكنتهم وتمكنهم من القيام باكتشافات في منطقتهم ويعرفونها عن كثب، وخصوصا في مجال علم النبات، لذا يلاحظون كل شيء جديد".

وختمت: "أتمنى أن يتواجد في كل منطقة من لبنان مثل هذه المجموعة، ومثل أفرادها، في تفانيهم ودقتهم ومتابعاتهم، لنتمكن من أن نوثق هذا الغنى الطبيعي في لبنان".

كما قال الطالب في كلية الهندسة الزراعية في الجامعة اللبنانية والمسؤول  عن قسم النباتات في مجموعة "درب عكار" علي طالب: "ان هذا الاكتشاف يعتبر هاماً جداً ليس للبنان فحسب، بل للشرق الاوسط والعالم، فالعثور على زهرة كانت مصنفة على انها منقرضة، ولا توجد اي معلومات عنها بشكل وافر يعتبر فرصة لا تقدر بثمن لمزيد من الابحاث عنها، وهو يجعل عكار من المناطق الساخنة hot spot للتنوع الطبيعي والبيولوجي في لبنان والمنطقة".

وختاما، فلا بد من تضافر جهود المجتمع المدني والوزارات المعنية بهدف المحافظة على هذه الثروات الطبيعية، وتشجيع هذه المبادرات، ، ليتمكن الشباب من المشاركة في إنماء الإقتصاد المحلي وفي هذه الحالة عبر السياحة البيئية التي تساهم في التنمية المحلية وإنعاش المنطقة، والمساهمة في الإقتصاد الدائري فيها وهي التي تعاني من إهمال الحكومة المركزية، وفي تثبيت السكان ولا سيما الشباب في أرضهم.

Photo Credits: Khaled Taleb "Akkar TRail"

 







مقالات ذات صلة