هدية فلسطين إلى حمى المنصوري... مقلاع وحكاية شعب ومقاومة

مشاركة


خاص اليسار

فاديا جمعة

في جنوبنا الرابض على تخوم الوجع اليومي، وعند أسوار الحلم وفضاء الأمل، في جنوبنا المرنّخ بشذا البطولة والتضحيات، الباسق كشتلة تبغ وجهتها السماء، ومع كل إشراقة شمس، ننظر إلى الحدود القريبة، ونتمنى لو يعود ذاك القطار لنعبر به الطريق إلى حيفا ويافا وغزة والضفة والقدس، وإلى كل جزء من أرض فلسطين المحتلة، نحلم بصمت، نتأمل وننتظر.

نعاود حياتنا وأحلامنا المؤجلة وهي تنأى يوما بعد يوم، إلى أن يأتيك من فلسطين الحبيبة هدية لم تكن بالحسبان، وأية هدية.

رائحة الإنتفاضة

ذلك اليوم، وفيما نقوم بدوريتنا عند شاطئ المنصوري (حمى السلاحف)، وبينما كنا نرفع النفايات كما اعتدنا كل يوم، تعثر الزميلة فاتن شلهوب على شيء بدا لها غريبا، ولم يخطر ببالها ما هو الى أن يقول أحد المرافقين لدوريتنا: "إنه مقلاع فلسطيني"، انتابتنا الدهشة وتحلقنا حوله وبدأت الافكار في رؤوسنا تنسج الحكايا والقصص.

تقول فاتن: "حاكته النساء بدموع العين وعرق المشقة والتعب".

وأقول أنا: "ما أجمله من هدية، فيها رائحة الإنتفاضة والعز، ولكن قد يكون صاحبه ارتقى شهيدا".

أما المشرفة على الحمى الناشطة منى الخليل، فتقول: "ما أجمله رغم الألم فهو سلاحهم وكم يحمل من حكايات، خصوصا وأن النساء تحيكه لأطفالها وشبابها ليحاربوا به العدو الإسرائيلي".

هديه من فلسطين

ألف حكاية وحكاية قد تنسجها في مخيلتك، ولكن تبقى الصورة الأجمل بأنه هديه من فلسطين الحبيبة، من الأرض المغتصبه والشعب الأبي المقاوم إلى جنوب لبنان حيث اجتمعنا على مقاومة احتلال من نوع ثان.

من البحر إلى النهر، يصدح صوتها فلسطين، وصوت الطفل الشهيد فارس عودة يهدر رغم استدارة ظهر حنظلة، ويسافر إلينا مع كل حجر ومقلاع، قد لا يفارق مسمعك عندما يتحدثون ما كان يردد ويهتف: "لو سموا المية ما يخالف، لو هدوا البيت مش خايف، لو كسروا عظامي ماني زاحف رح الم عظامي يا بلدي واصنع مقلاع وحجر".

بقيت صناعة المقلاع ولحق الشهيد برفاقه.

أيقونة نضال

هذا المقلاع سيبقى أيقونة نضال وحكاية شعب ومقاومة في حمى المنصوري، ليذكرنا بأن النبي داوود لما شاء أن يهزم جليات الجبار، هزمه بحصاة ملساء في مقلاع صبي صغير، وفي الحكاية عبرة بألا نفقد رجاءنا، وألا نستهين بقوتنا، فحصاة صغيرة في مقلاع الرب قد تفعل كثيرا ولو كانت قوة غيرنا أكبر بكثير.

وكما قال الشاعر الفسطيني تميم البرغوتي "‏ودار مقلاعُ الطّفل في يده دَورة صوفيّ مسّه وَلعُ، يُعلّم الدّهر أن يدور على من ظنّ أَن القويّ يمتنعُ".

حبذا لو أضع بهذا المقلاع كل الحب، وأعيده إلى أصحابه فالطريق طويلة والخلاص مع إصرارهم قادم لا محالة.







مقالات ذات صلة