التربية المستدامة وفعاليّة التعلّم عن بعد
*الدكتورة جنان كرامة شيّا
يشير مصطلح "كوفيد-19 التعلم عن بعد" Covid-19 distance learning إلى سياق التحول المفاجئ من التعلم وجهًا لوجه، إلى التعلم عبر الإنترنت دون أي تخطيط استراتيجي مسبق، ولا شك في أن هذا التحوّل المفاجئ هو الإجراء الطارئ الوحيد الذي يمكن القيام به لدعم الآباء / الأوصياء في الإبقاء على حقّ اطفالهم بالتعلم رغم الاقفال القسري للمدارس، ومع ذلك، فهناك العديد من التحديات التي تحد من هذا التعلّم خصوصا لجهة استعداد كل من المعلمين والطلاب والأهالي.
بالمقابل، فكيف تكون التربية على التنمية المستدامة Education for sustainable development (ESD) امتيازًا للتعلم الفعال عن بعد خلال أزمة كوفيد - 19 أو أي أزمة أخرى؟ !!!
تعتبر التربية على التنمية المستدامة تحوّلا في رؤية التنمية المستدامة إلى معارف ومواقف ومهارات وسلوك لدى المتعلمين، وكما هو معروف، تتضمن أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حاليًا 17 هدفًا. تتناول هذه الأهداف كافة القضايا العالمية التي قد تواجه أي دولة بأبعادها المختلفة: البيئة، المجتمع، الاقتصاد والسياسة.
عند اعتماد التربية على التنمية المستدامة، يجب أن نسأل أنفسنا ثلاثة أسئلة مهمة:
لماذا يجب اعتماد التربية على التنمية المستدامة؟
ما هو المحتوى الذي يجب علينا تعليمه؟
كيف نعلّم هذا المحتوى؟
عند التفكير في أهدافنا التعليمية أثناء دمج التربية على التنمية المستدامة، يجب أن نحدّد مواصفات المواطن النشط الصالح الذي نريد بناءه ؛ انّه ذلك المواطن الذي: أ) يتمتّع بدراية جيدة وعميقة لمعايير الاستدامة، ب) المفكّر والناقد الذي يمكنه تقييم الواقع بناءً على معايير التنمية المستدامة، ج) الباحث الجيد والقادر على جمع بيانات وافية وموثوقة، د) المبتكر، وهو القادر على حل المشكلات والريادة الاجتماعيّة حيث يمكنه إنشاء حلول مستدامة، وصياغتها، وإعداد دراسة جدوى لتنفيذها في العالم الحقيقي، هـ) المتحدّث المحترف الذي يمكنه استخدام مهارات الجدال لإقناع الآخرين بنماذجه المستدامة و) القائد الذي يمكنه تطوير حملات توعية وقيادة الطلاب في المجالس الطلّابيّة والتخطيط بشكل استراتيجي والقيام بشراكات فعالة لتطبيق حلول مستدامة.
ما المحتوى وكيف !!
محتوى المناهج المدرسيّة، على الرغم من أنه يخضع للأهداف الوطنية والدولية العامّة، يجب أن يتشكل من خلال احداثيّات الواقع التي تحصل أثناء عمليّة التعليم. يجب أن يكون المعلمون مدرّبين جيدًا على تصميم الخطط التربويّة الخاصة بهم، وبذات الوقت دامجين الأحداثيّات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وحتى السياسية في المحتوى الذي يعلّمونه. هكذا فقط، يمكننا تزويد المتعلمين بكافة احتياجاتهم للتأقلم و التغلّب على الواقع الذي يعيشونه ومدّهم بالمعارف و المهارات لإيجاد الحلول المناسبة على اختلاف الأصعدة: الصعيد الشخصي، والإجتماعي، والوطني وحتى العالمي.
ويجب أن تتضمن الخطط التربويّة: 1) استراتيجيات قائمة على الاستقصاء من خلال أكثر التقنيات فعاليّة، 2) مهام أو مشاريع أداء يقوم بها الطلّاب لحل المشكلات مستخدمين مقاربة (علوم تكنولوجيا هندسة وفنون و رياضيّات، STEAM)، 3) أنشطة التعلم التي تعمّق فهم الطلاب، وتكشف عن وجهات النظر المختلفة، وتطوّر مواقف التعاطف وتعزّز مهارات القرن الحادي والعشرين، و 4) تقييم حقيقي قائم على الأداء، لا يقيس فقط معارف ومهارات الطلاب، ولكن أيضًا مواقفهم من خلال عمليات اتخاذ القرار وردود الفعل الشخصية تجاه الواقع. وبالتالي، نكون قد طبّقنا مقاربة "تعدّد المواد Multidisciplinary approach" حيث سيتعامل جميع معلمي المواد مع نفس الواقع ولكن من منظور موضوعهم ممّا يزيد فعالّية التعلّم.
كما تعتمد هذه العمليّة على المعلمين الذين يجب تدريبهم على المهارات القياديّة. فطلّابنا اليوم بحاجة لمعلّمين قادة، يكونون نموذجا "بالمصداقية والقيم و السلوك المستدام"، وأن يكونوا على دراية باحتياجات جميع الطلاب للحفاظ على سلامتهم و التأثير بهم.
الآن، كيف سيساعد ذلك على تخطّي معظم تحديات التعلم عن بعد؟ !!
أثناء تطبيق التربية على التنمية المستدامة، يكون المعلمون أكثر استعدادًا لإشراك الطلاب بنشاط من خلال مهاراتهم القيادية، حيث يمكنهم التأثير على طلابهم حتى لو كانوا على مسافة منهم، ومن خلال استخدامهم الفعّال للتكنولوجيا.
بالإضافة إلى ذلك، يكون الطلاب أكثر استقلالية وأكثر انجذابا" وانخراطًا في عملية التعلم، حيث تصبح حاجة أكثر أهمية لهم من جمع الدرجات والحصول على شهادة. من خلال تعلمهم، يعبّر الطلاب في نهاية المطاف عن مشاعرهم وأفكارهم ووجهات نظرهم وحتى أفعالهم للتعامل مع واقعهم.
أخيرا" أوصي جميع أصحاب القرار في التربية بالتفكير في تطبيق التربية على التنمية المستدامة (ESD) في مقاربتها الشموليّة (Whole School Approach) ليكونوا مستعدين جيدًا لأي أزمة قد تحدث ويستمرون في أداء مهمتهم الانسانيّة بفعاليّة مهما كانت الظروف ...
المقال مترجم من الإنجليزية تحت عنوان " ESD: A privilege for Covid-19 Distance Learning"
* دكتوراه بالتربية على التربية المستدامة، مديرة مدرسة، مدرّبة و باحثة.