نظرية جديدة: هل تطور الفيروس التاجي عبر الكلاب الشاردة؟!
سوزان أبو سعيد ضو
تعتبر كافة النظريات حول منشأ فيروس "كورونا" أو SARS-Cov2، مجرد أفكار مترابطة يتطرق إليها العلماء، اعتمادا على "الإستدلال" أي الربط بين الشيء ومثيله، ودون أي أدلة مثبتة، خصوصا لجهة طريقة انتقال هذا الفيروس وما سبقه مثل SARS-Cov من "مضيف" أول كالخفافيش إلى مضيف ثان قد يكون آكل النمل "حيوان البنغولين" Pangolin، وصولا إلى دراسة نشرت أمس في مجلة Molecular Biology and Evolution لباحثين كنديين، عن دور الكلاب الشاردة في كونها وسيط مر به الفيروس ليصل إلى درجة العدوانية هذه ليتسبب بهذا المرض لدى البشر. علما أن هذا الأمر يشوبه التحفظ الكبير والشك الأكبر، فحتى لو كان الفيروس قد "قفز" عبر الكلاب الشاردة، وحتى لو أثبت هذا الأمر بالأدلة والبراهين، فإن تطوره داخل أي مضيف لا يعني انتقاله، كما أن دراسات مختلفة أشارت إلى أنه من المحتمل أنه قد تطور داخل البشر لسنوات وعقود، وبذلك أصبح فيروسا "بشريا" أي أن الحيوانات لا تساهم بانتقاله، بس ربما كانت وسيطا في مجال تطوره إلى شكله "العدائي" الجديد لدى النوع البشري، وبشكل يصيب البشر من البشر ولا ينتقل بهذا الشكل الجديد من الحيوانات، خصوصا أن الحالات المسجلة والمصابة بالفيروس بين الحيوانات هي إحصائيا لا تذكر، ولم تثبت في أي حالة انتقال الفيروس إلى الإنسان من الحيوان، وبالعكس تم انتقال الفيروس من الإنسان إلى الحيوانات الأليفة في حالات ثلاث (كلبان وقطة).
شكوك حول الدراسة
وقبل أن تتنطح وسائل الإعلام في سبقها "سكوباتها" الإعلامية، وتبدأ حملات الإجرام بحق هذه الحيوانات الشاردة التي وجدت نفسها في الشوارع، وبدون أي ذنب، فإن الدليل العلمي الذي أورده الباحثون الكنديون، وبالتحديد البروفسور زوها شا Xuhua Xia من جامعة أوتاوا الكندية، في دراسة قوبلت بانتقادات من النظراء والأقران من الباحثين والعلماء، لا سيما وأنها استندت إلى عينة صغيرة جدا، بالإضافة إلى نقص البيانات لدرجة توصية كثير منهم بعدم تعميم نتائجها.
وفي هذا المجال، كشف خبير الطب البيطري بجامعة كامبريدج جيمس وود James Wood، عن شكوكه في هذه الدراسة فقال: " أجد صعوبة في فهم كيف تمكن المؤلف من استنتاج أي شيء من هذه الدراسة، أو الافتراض كثيرًا، ناهيك عن أن الفيروس التاجي المسبب لــــ COVID-19 قد يكون تطور من خلال الكلاب"، وحذر من أن "هناك الكثير من الاستدلال وقليل جدا من البيانات المباشرة. لا أرى أي شيء في هذه الورقة العلمية لدعم هذا الافتراض، وأنا قلق للغاية من أن هذه الدراسة قد تم نشرها في هذه المجلة الهامة"، مؤكدا على أنه لا يعتقد أن على"أي مالك الكلاب أن يشعر بالقلق نتيجة لهذه الدراسة".
أمران مهمان
الأمر الأول: لا بد من الإشارة إلى قضية "الإستدلال" inference التي أشار إليها وود سابقا، لتوضيح ما قصد بها، وفي تعريفها باللغة العربية وفقا لـ "وايكيبيديا" أن "الاستدلال، في مجال علم المنطق، هو فعل أو آلية استنتاج منطقي بناء على فرضية تعتبر صحيحة، وتسمى النتيجة بالـ"اصطلاح"، بينما تسمى الاستدلالات الخاطئة بالباطل"، وحقيقة فإن استدلال البروفسور الكندي يميل أكثر إلى الإستدلالات الباطلة، وهو ما ستشاهد مدلولاته من خلال الدراسة.
الأمر الثاني: هو نظرية انتقال الفيروس من الخفافيش، وعلى الرغم من أن العلماء شبه متأكدين من هذا الأمر، فهو قد استنتج بناء على نظرية انتقال المرض التنفسي الأول من هذه الفيروسات التاجية SARS-Cov من الخفافيش إلى ثلاثة أنواع من الحيوانات مرشحة كوسيط منها نوع شبيه بالقطط "قطط الزباد" masked palm civets الشبيهة بالنمس اسمها العلمي Paguma larvata، ونوع من حيوانات الراكون اسمها العلمي Nyctereutes procyonoides ومن عينات لحيوانين من النمس الصيني Chinese ferret badgers اسمه العلمي Melogale moschata، وهي حيوانات وجدت في سوق للحيوانات في مدينة تشنشن Shenzhen market، ومن الممكن أنها وصلت عبرها إلى البشر، وتبقى نظرية أيضا، ولم يتم إثباتها، كون المادة الجينية ولو أنها متشابهة مع الفيروسات التاجية المتواجدة لدى الخفافيش، إلا أنها تختلف عنها بأمور عدة، ما يرجح وإلى درجة كبيرة، فرضية أن الفيروس المتسبب بعدوى "COVID-19" قد تطور بشكل ما داخل مضيف ما – وقد يكون داخل الإنسان- ليصبح قادرا على الإنتقال إلى، وبين البشر.
الدراسة
وقام فريق البحث الكندي في الدراسة الجديدة، بدراسة نوع من البروتيناتZAP وهو اختصار لاسم Zinc finger Antiviral Protein وهذا البروتين يتشكل كرد فعل مناعي في خلايا النخاع الشوكي، ويستهدف مؤشرا اسمه CpG dinucleotides على سطح الفيروسات، ويعمل هذا البروتين على تكسير المادة الجينية للفيروسات ويمنع تكاثرها، إلا أن فيروس "كورونا" المستجد أي SARS Cov-2 بالذات، وغيره من الفيروسات التاجية، تقاوم هذا البروتين، عن طريق تقليل مؤشر CpG على سطحها، وبالتالي لا يعتبر هذا البروتين ذات فعالية للقضاء عليها.
وفي هذا المجال، أوضح البروفسور شا، أنه كلما ازدادت مؤشرات CpGعلى سطح الفيروس أمكن السيطرة والقضاء عليه من قبل الجهاز المناعي الخاص بالجسم، بالمقابل فإن قلت هذه المؤشرات، أصبحت العملية غير فعالة، وقال شا: "فكر في انخفاض كمية مؤشرات CpG في العامل الفيروسي كتهديد متزايد للصحة العامة، في حين أن زيادة كمية CpG تقلل من خطر مسببات هذه الأمراض الفيروسية".
وأضاف: "إن الفيروس الذي يحتوي على كمية متزايدة من CpG يمكن استهدافه بشكل أفضل من قبل الجهاز المناعي للمضيف، وينتج عنه انخفاض العدوى، والذي سيكون مشابهًا لمفعول اللقاحات الطبيعية."
ووفقًا للبروفسور شا، فإن جينومات الفيروسات التاجية لدى الكلاب فقط لها قيم CpG مماثلة ومنخفضة لتلك التي لوحظت في الفيروس المسبب لعدوى COVID-19 التي تصيب البشر، وهو ما اعتمد عليه شا في تفسير أن الفيروس المتسبب بـ COVID-19منشأوه في الكلاب,
وتؤثر الفيروسات التاجية الخاصة بالكلاب أيضًا على الجهاز الهضمي لمضيفها، حيث تدخل عن طريق بروتين يسمى ACE2 ويتم تصنيع هذا البروتين أيضًا في أمعاء الإنسان.
قال البروفيسور شا: "يتماشى هذا التفسير مع فكرة أن الفيروس السابق لـCOVID-19 ذات مؤشرات CpG المنخفضة قد تطور في الجهاز الهضمي لدى الثدييات".
وقد تم تعزيز هذا التفسير أيضًا من خلال تقرير حديث افاد بأن نسبة لا يستهان بها بمعدل 48.5 بالمئة من مرضى COVID-19 يعانون أيضًا من أعراض في الجهاز الهضمي باعتبارها شكواهم الرئيسية.
وقد وجدت دراسة لأول 12 مريضًا في الولايات المتحدة بـ COVID-19، أن واحدا منهم أبلغ عن الإسهال كأحد الأعراض الأولية قبل أن يصاب بالحمى والسعال.
علاوة على ذلك، كانت عينات البراز من 7 من كل 10 مرضى إيجابية بالنسبة لـلعامل الممرض المتسبب بـ COVID-19، بما في ذلك ثلاثة منهم أصيبوا بالإسهال كأعراض.
وغالبًا ما يُلاحظ أن الكلاب تلعق مناطق الشرج والأعضاء التناسلية - مع مثل هذا السلوك الذي يمكن أن يسهل انتقال الفيروس من الجهاز الهضمي إلى الجهاز التنفسي، وهذا من شأنه أيضًا أن يفسر التبادل بين الممرض المعدي المعوي والجهاز التنفسي والمتسبب بالعدوى في الرئة.
وأضاف البروفيسور شا "في هذا السياق، من الأهمية بمكان الإشارة إلا أنه تم عزل فيروس الخفافيش التاجي من عينة من البراز".
وتابع شا:"تتوافق هذه الملاحظات مع الفرضية القائلة بأن COVID-19 قد تطور في الأمعاء أو الأنسجة المرتبطة بالأمعاء."
ويعتقد أن المرض بدأ في كانون الأول/ديسمبر في سوق المأكولات البحرية في ووهان، الصين، حيث تم تداول الحيوانات البرية - بما في ذلك حيوانات المرموط marmots والطيور والأرانب والخفافيش والثعابين.
الخلاصة:
هنا، وحتى لا يستدل الناس بهذه الدراسة كمبرر للتخلص من الكلاب الشاردة وحتى التي يقتنوها في المنازل، نتمنى أن نكون قد أوصلنا الرسالة، بأن هذه الحيوانات لا تشكل خطرا على الصحة والسلامة العامة، كما ولا تنقل الأمراض، بالمقابل تحمي منطقتها من المعتدين من حيوانات دخيلة، قد تكون حاملة لأمراض أخرى، كما لا بد من الإشارة إلى فكرة الإستدلال الواضحة والسابق ذكرها، والتي اعتمدها البروفسور الكندي في تفسير نظريته، وهو ما يمكن قبولها كتفسير واقعي، أو كتعليل باطل، ولتسهيل توصيل هذه المعلومة، فهي تشبه مثلا أن يكون للشخص شعرا أشقرا، وعيون زرقاء، ومن المعلوم إن الشعوب الإسكندنافية لديها هذه الميزات، وخصوصا الألمان، وإن استدللنا بالشعر الأشقر، والعيون الزرقاء، فالكثير من اللبنانيات والعربيات هن اذن ألمانيات، وبهذا فإن التفسير بالإستدلالات السابقة، لا يؤكد النظرية القائلة أن هذا الفيروس اتخذ الكلاب كنوع وسيط لانتقاله، وكذلك فإن وجود هذا المؤشر على الفيروس لدى الكلاب، وبهذه الكمية الضئيلة الموجودة لدى الفيروس لدى البشر، لا يعني أن الفيروس منشؤه الكلاب، وحتى لو ثبت ذلك، فلا يدل في أي حال من الأحوال، أن يتم تفسير تطوره داخل هذه الحيوانات أو غيرها، إمكانية انتقاله منها، بل قد سجلت إصابات لدى اكلاب (عددها إثنان فقط وفي هونغ كونغ) انتقل اليها من مرضى مصابين بالعدوى، وهذا دليل احصائي ضعيف، بالمقابل، لم يثبت انتقال أي عدوى بالعكس أي من الكلاب أو الحيوانات عامة إلى الإنسان، كما وأن عدوى SARS-Cov2 ثبت انتقالها من إنسان لإنسان، ودون وسيط، ما يعزز الفرضية، أن هذا الفيروس انتقل إلى الإنسان بطريقة ما، وتطور داخله لفترة قد تصل لسنوات أو عقود، ليصبح جائحة وصلت إلى كافة أصقاع العالم.
بتصرف عن الـ Daily Mail,