الإعلام لحماية الحيوانات... لا لتشريع التخلي عنها وتسميمها!
سوزان أبو سعيد ضو
ليس الأمر جديدا، فالهجوم وابتداع القصص، وتحويرها بصورة تظهر الحيوانات بصورة المرتكب، تتكرر في الكثير من الأحيان، فقد ابتدعت القصص العديدة في الماضي، منها حول آفة اللشمانيا التي تنقلها إحدى الحشرات، وأدعى أحد هذه الأخبار أن وزارة الصحة والزراعة اللبنانية تحذر وتنبه، علما أن الوزارتين منفصلتان وكلاهما نفتا هذا الخبر ومحتواه بصورة قاطعة، وعلى الرغم من ذلك، انتشر الخبر على وسائل التواصل الإجتماعي، كالنار في الهشيم، علما أن هذه الطفيليات تحتاج لوسيط وهو الماشية، ونوع من الذباب لتنتقل، ولا تنتقل عبر الحيوانات الأليفة، وكانت الحيوانات الأليفة والبرية على حد سواء، ضحايا لهذا الخبر الزائف لذباب الكتروني أشد ضررا من الذباب المسبب لـ "الليشمانيا"، والأمثلة كثيرة ومنها مؤخرا، خبر عار من الصحة حول انتقال فيروس "كورونا" Corona المستجد أو COVID_19، (COVID-19) من الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب إلى الإنسان.
السبق الإعلامي!
لا شك أن بعض الأخبار صحيحة لكن المشكلة في تفسيرها، و"تبهيرها" لكسب المزيد من القراء على حساب أرواح، فالصحيح أن فحص كلبين في هونغ كونغ وقط في بلجيكا أتت إيجابية، وعندها بدأ "السبق" الإعلامي "اللبناني"، والعناوين الباهرة ذات الإثارة للدموية اللبنانية المكبوتة في الحجر المنزلي القسري، والممهورة بالخاتمة الرنانة بالتنبيه والتحذير، فضلا عن المحتوى العلمي المبتور، كون البراهين غير دامغة، كما اعتمد التقرير على رأي خبير من praesens foundation البلجيكية، علما أنه لم يستند إلى دراسة أو أدلة أو مراجعة نظراء.
القطة من بلجيكا... مصابة بـ "كورونا"
ووفقا لموقع brusselstimes ووفقا لرأي الخبراء ومنهم البروفسور Steven Van Gucht الذي أكد ثبوت إيجابية فحص القطة التي أظهرت أعراضا تنفسية وحالة من الإسهال، بعد أن انتقلت إليها العدوى بأسبوع من مالكتها المصابة بـ "كورونا"، ليؤكد Van Gucht نريد أن نؤكد أن هذه حالة معزولة،بالإضافة إلى ذلك، في هذه الحالة، نحن نتحدث عن انتقال من إنسان إلى حيوان، وليس العكس "، وأضاف:"لا توجد مؤشرات على أن هذا أمر شائع، إن خطر انتقال العدوى من الحيوان إلى الإنسان ضئيل جدا"، وجاء في نص المقال ومن مراجع بيطرية في بلجيكا، التأكيد على الإهتمام بنظافة الحيوان الأليف، كما تهتم بنفسك أو أي فرد من عائلتك.
إلا أن ما حصل بعد تقرير "السكوب الإعلامي" هو حملة واسعة بـ "إلقاء الحيوانات الأليفة من البيوت"، بالإضافة إلى تسميمها وحتى تعذيبها، وطاول المئات من القطط والكلاب، وعلى الرغم من أن هناك أكثر من مليون إنسان مصاب بـ "كورونا"، فليس هناك إلا حالات ثلاث، أثبتت فيها أن هذه الحيوانات "تحوي هذا الفيروس" أي أنها إيجابية، ودون أعراض لدى الكلاب من هونغ كونغ، كما لم يتم التأكد من أن الأعراض التي أظهرتها القطة من بلجيكا، هي نتيجة العدوى أو سبب آخر، كما ولم تثبت في أي حالة إمكانية إنتقال العدوى إلى الإنسان من الحيوانات الأليفة، والسؤال لمَ التجني؟
سبق إعلامي آخر!
ولم تهدأ "زوبعة الفنجان" حتى تنطح موقع آخر بسبق إعلامي يفتقد لكل المصداقية، فقد اقتبس العديد من المواقع عن دراسة صينية، ومنها أحد المواقع عن وكالة "تاس" الروسية خبرا جاء في نصه أن "علماء صينيون: 15بالمئة من القطط التي أُجريت لها اختبارات في مدينة ووهان مسقط رأس الوباء العالمي، مصابة بالفيروس، ما يعني أن الإنسان لم يعد المصدر الوحيد الذي ينقل الفيروس، بحسب ما نقلت وكالة تاس الروسية"، وبالعودة لعنوان الوكالة العريقة، فإن 15 بالمئة من قطط ووهان مصابة بالفيروس، فهو عنوان فضفاض، فالدراسة اعتمدت على 102 عينة من القطط، وجد 15 بالمئة منها مصاب بالفيروس، ولم يأتي ذكر انتقاله إلى الإنسان في أي مكان في المقال، وما ذكر في نص وكالة "تاس" لا يمت بصلة لهذه الجملة المثيرة للذعر (التي تحتها خط) بل ما كتب حرفيا هو "يمكن للفيروس التاجي SARS-CoV-2، الذي يسبب مرض COVID-19، أن يدخل جسم الإنسان والثدييات الأخرى، بما في ذلك القرود وحيوانات النمس والقطط، التي تتأثر بالعدوى تقريبًا مثل البشر" وتتأثر بالعدوى يعني وفقا لما سبق ولما ذكر بالدراسة بأنها تصاب بالعدوى ودون أعراض تذكر، لكن لا دلائل لنقلها لدى البشر.
القطط قد تصاب بالكورونا... ولكن لا داعي للقلق!
وأتى الرد على الخبر الكاذب الذي ورد في النص المقتبس المغلوط "والمبهر" بجهل ليس له مثيل، من موقع CNN، إذ فندت كاتبة المقال Sandee LaMotte هذه الدراسة الصينية المنشورة على موقع bioRxiv وفي عدة نقاط ووفقا لخبراء ومراجع علمية موثوقة.
كما أن موقع bioRxiv الذي نشرت عليه هذه الدراسة قد أرفقها بالجملة التالية: "يتلقى bioRxiv العديد من الأوراق العلمية الجديدة حول فيروسات التاجية SARS-CoV-2. تذكير: هذه تقارير أولية لم تخضع لمراجعة النظراء، لا ينبغي اعتبارها قاطعة أو توجيه الممارسة السريرية/السلوك المرتبط بالصحة ، أو الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام كمعلومات ثابتة.
وقد عنونت لاموت مقالها "القطط قد تصاب بالكورونا... ولكن لا داعي للقلق" Cats may get coronavirus, but experts say it's nothing to worry about، واصفة الدراسة تهكما بالمحتوى بأنها "فقست من جديد" في الصين، مؤكدة بأنها لم تتم مراجعتها من العلماء الآخرين والأقران، وأنها للأسف تحمل أخبارا سيئة لمحبي القطط.
وقال الدكتور جون ويليامز، رئيس قسم الأمراض المعدية لدى الأطفال في مركز طب الأطفال بجامعة بيتسبرغ: "نعم، يجب على الناس احتضان حيواناتهم الأليفة، قام هؤلاء الباحثون بضخ الفيروس في أنف القطط بتركيز عالٍ، وهو أمر اصطناعي جدًا" وأكد خبراء إن التجربة في المختبر استخدمت سيناريو غير واقعي على الإطلاق، إذ أنه أولاً، أجبر الباحثون حقن جرعات عالية للغاية من الفيروس داخل فتحتي أنف خمسة قطط عمرها 8 أشهر، وهذا الأمر يظهر ضعفا في هيكل الدراسة الأساسي، وثانيا فهو أمر لا يحدث في الطبيعة أي لدى الحيوانات الشاردة فحسب، بل إنها لا يمكن أن تتعرض داخل المنازل لهذه الكميات العالية من الفيروس.
ويؤكد خبير الأمراض المعدية الدكتور ويليام شافنر، أستاذ الطب الوقائي والأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة فاندربيلت في ناشفيل: "هذا أكثر بكثير مما يمكن أن يتلقاه الإنسان العادي" واضاف "اذاً فهذا ظرف اصطناعي، ولا نعرف انه يمكن أن يحدث في الطبيعة على الاطلاق".
ووفقا للدراسة فلم تصاب القطط بالفيروس فحسب، بل تمكنت من نقله لقطط أخرى، وقد أكدت الدراسة أن كل القطط لم تظهر أي أعراض للمرض، كما أن الفيروس لم يصل إلى الرئتين بل بقي في الجهاز التنفسي الأعلى.
وتؤكد "لاموت" بأن هذا ما حدث منذ ما يقرب من عقدين من الزمن مع فيروس تاجي شقيق لعدوى COVID-19، وهي عدوى SARS-CoV وفي الصين أيضا، والذي يسبب مرضًا تنفسيًا شبيهًا بالالتهاب الرئوي يسمى SARS، ومثلما هو الحال الآن، وجد العلم أن القطط يمكن أن تصاب بالسارس وتتسبب بإصابة القطط الأخرى بالعدوى، لكن الفيروس لم ينتقل على نطاق واسع بين القطط المنزلية خلال جائحة 2002 إلى 2004، ولم تكن هناك أي حالات معروفة لانتقال المرض إلى البشر.
ثغرة أخرى في الدراسة، هي حول إصابة حيوان النمس بالعدوى، فقد وجدت الدراسة أن الفيروس يبقى في الجهاز التنفسي الأعلى للنمس، وأنه يمكن أن يتكاثر، ولكن دون أن يتسبب بأية أعراض أو بالموت، ولفترة 8 أيام، ولم تبحث الدراسة في إطار زمني أطول من ثمانية أيام!
ولعل هذه الثغرة هي الإيجابية الوحيدة في هذه الدراسة من الناحية العلمية، إذ تعتبر هذه أخبار جيدة للباحثين الذين يبحثون عن طريقة لاختبار أي لقاحات مستقبلية لـ SARS-CoV-2، أو "كورونا" المستجد.
وقال ويليامز "من الضروري أن يكون لديك نموذج حيواني لإجراء اختبارات أولية للقاحات وفهم كيف تتسبب الفيروسات المرض. لذلك، قد يكون هذا مفيدًا في هذا المجال".
في الواقع، فليس من المستغرب أن النمس يبدو أنه يستجيب للفيروس التاجي الجديد، إذ تشبه المجاري الهوائية ورئة حيوان النمس بشكل لافت للنظر مثيلاتها لدى الإنسان، في الواقع، النمس بيولوجيًا وفسيولوجيًا يشبه البشر أكثر من الفئران أو الجرذان، وقال شافنر: " حيوانات النمس هي نماذج كلاسيكية لدراسة الإنفلونزا - لقد قام العلماء بذلك لعقود"، وأضاف:"إذا كان العلماء يبحثون عن نموذج حيواني، فإنهم يختارون حيوان النمس أولاً".
ماذا يعني كل هذا؟
هل ستصاب القطط أو حيوان النمس بفيروسات تاجية؟ يقول الخبراء، أن الأمر مستبعد إلى حد كبير، وأشاروا إلى حقيقة أنه لو كان الأمر صحيحا، لكنا بالتأكيد سمعنا عن العديد من حالات العدوى لدى الحيوانات الأليفة حتى الآن، بالنظر إلى الانتشار الكبير للفيروس في الولايات المتحدة وأوروبا، وتجاوز الحالات عتبة المليون (1,190,979 حالة حول العالم)، فقد وجدت حالتان فقط من النتائج الإيجابية لدى الكلاب، علما أن الكلاب لم تظهر أي علامات للمرض أثناء الحجر الصحي، ونادرًا لدى القطط، وعلى ما يبدو أن قطة في بلجيكا ربما تكون قد أصيبت بالفيروس في آذار/مارس من مالكها، الذي كان مريضًا بالفيروس بعد عودته من زيارة إلى إيطاليا، ولكن على الرغم من أن القطة عانت من مشاكل في الجهاز التنفسي ومستويات عالية من الفيروس في القيء والبراز، فإن الباحثين ليسوا متأكدين حتى الآن مما إذا كانت القطة مريضة من Covid-19 أو من مرض آخر.
وكتبت الجمعية الطبية البيطرية الأميركية على موقعها على الإنترنت American Veterinary Medical Association أو AVMA "في حين أن كلبي (هونغ كونغ) وقطة واحدة (بلجيكا) تم الإبلاغ عن إصابتها بسارس CoV – 2 (الكورونا)، فإن خبراء الأمراض المعدية، والعديد من المنظمات الدولية والمحلية لصحة الإنسان والحيوان، تؤكد أنه لا يوجد دليل في هذه المرحلة يشير إلى أن الحيوانات الأليفة تنشر COVID-19 إلى الحيوانات الأخرى، بما في ذلك الناس".
وتوصي AVMA و"المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها" U.S. Centers for Disease Control and Prevention باتخاذ الاحتياطات العادية عند تنظيف
صناديق القمامة وإطعام الحيوانات، كما توصي باتخاذ المزيد من الحيطة والحذر إن كان الشخص مصابا بفيروس COVID-19، وتوصي AVMA: "اطلب من فرد آخر من أسرتك تمشية الكلب وإطعامه واللعب مع حيوانك الأليف، وإذا كان لديك حيوان للخدمة (على سبيل المثال المصابين بالعمى)، أو يجب أن تهتم بحيوانك الأليف، فارتدِ قناعًا للوجه، ولا تشاركه الطعام أو تقبله أو تعانقه، واغسل يديك قبل وبعد أي اتصال معه".
وختاما، هناك قانون رفق بالحيوانات في لبنان، وهو من البلدان القليلة في العالم العربي التي أقرت مثل هذا القانون، ويمنع أي أذى يطاولها، وأن تعمل الإدارات المعنية وخصوصا البلديات على منع عمليات التسميم التي تتابعت في الآونة الآخيرة في العديد منها، ونحن كموقع "إليسار نيوز" وعملا برسالتنا التي ننتهجها دوما، بالدقة والموضوعية، نتمنى أن نكون قد أوصلنا الرسالة المنشودة، وأن تكون قد ظهرت الحقيقة العلمية، بأن يعي كل شخص منا، أن نحاول البحث عن الصدق في الأخبار المتناقلة عبر الإعلام، وبكل الأحوال عدم التخلي عن هذه الحيوانات التي شاركتكم سنوات من عمركم وأجمل الذكريات، ولتكن الرحمة في القلوب هي النبراس الذي قد يضيء طريقنا للخروج من هذه الجائحة الفتاكة.
بتصرف عن: CNN، brusselstimes، bioRxiv