ابتكار أجدادنا للسفينة... هو الثورة الأولى في تاريخ الإنسانية!
*المهندس وسام غصن
هو البحر بشساعته، وعمقه، ولونه الأزرق المتماهي مع السماء من ناحية، وهو الغضب الكبير الذي أثار الذعر في نفوس البشرية على مدى الأزمان، إلا ان هذا الأمر الواقع والموجود في الطبيعة، لم يردع أجدادنا عن كسر حاجز الخوف، ومحاولة تذليل البحر وترويضه، وقد جاء اختراع الفينيقيين للسفينة، لاستغلال البحر وتسخيره لخدمة الإنسان ليكون واحد من أهم الإختراعات في تاريخ الانسانية، فوجود البحر ألهم أجدادنا اختراع السفينة، ولكن الأعظم من هذا الاختراع هو التفكير والرؤية التي نظر بها أجدادنا إلى البحر، فتلك الرؤية الثاقبة هي التي انتجت هذا الاختراع ،فلو كانت طريقة تفكير ورؤية اسلافنا الفينيقيين الى البحر رؤية انهزامية ونظرية الرضى والتسليم للأمر الواقع، لما كان هذا الاختراع، لذا فإن جينات المجتمع اللبناني الثائر في ثورته الأخيرة، أي ثورة 17 تشرين، ليست وليدة لحظتها، بل هي نتاج كسر حواجز من الخوف والصعوبات، وصلت إلى مجتمعنا الحالي، عبر أجيال واجهت تحديات وعقبات كثيرة.
فقد نظر أسلافنا إلى البحر نظرة عميقة و أقروا أن البحر قوة جبارة وخطيرة، إلا أنهم لم يخافوا منه ولم يستسلموا لفكرة وجوده فحسب، بل فكروا كيف يستطيعون تسخيره لمصالح حياتهم. وهذا حال كافة الاختراعات في تاريخ البشرية، فقد أتت من طريقة التفكير ذاتها ومن مختلف الشعوب، وهذه الشعوب الراقية الحرة المواكبة للحضارة والتي تعتمد في مجتمعها ثقافة الابداع والفن هي الشعوب التي ساهمت وتساهم في تقدم البشرية .
أما الشعوب التي قيدت عقلها في عقيدة ما، أو عادات معينة، لتصبح مع الوقت من شرائعها، فقد انتشرت فيها تفافة الفساد والجهل والتخلف، ووقفت موقف المتفرج على الأمم كيف تتقدم وهي على طريق التخلف سائرة.
فالأمر الواقع قسمان، الامر الواقع الطبيعي وهي أمور موجودة اصلا، مثل البحار والجبال والعواصف والكواكب وكافة مكونات هذا الكون ، والأمر الواقع البشري التي يفرضها الإنسان بالقوة، ويحتاج التعامل مع القسمين إلى طريقة التفكير والمنطق ذاتها.
فعلى سبيل المثال، إن أردت شق طريق، وهناك جبل يعترضك، فلديك خيارين، فإما أن تستسلم أي أنك لا تسطيع أن تفعل شيء وتنتظر حدث أو معجزة ما، أو تنظر الى الجبل وتقوم بعملية تقييم وبدراسة لتضاريسه، وتعمل تفكيرك، بكيفية استغلال الجبل لإكمال الطريق، فتكملة الطريق والوصول الى ما بعد الجبل هو مفهوم الثورة داخل كل منا.
فإن كنت تعيش في بئس يكبلك، ومحروم من حقك الإنساني، فإما أن تستسلم وتنتظر المعجزات، أو تقوم بعملية تقييم شاملة لواقعك، وبإدراك أسباب المعاناة، والأمر الواقع المفروض عليك لتعيش هكذا، وفي المرحلة الأولى يجب أن تفكر وتحاول التعرف على العوامل التي فرضت هذا الأمر الواقع .
فالوصول إلى معرفة إلى الأمر الواقع المفروض عليك هو نصف الطريق للتغيير والعبور الى حياة أفضل و ارقى، وبعد اكتشافه، تصبح طرق الحل مجرد تقنية.
*وسام غصن عضو في الحركة الفينيقية وهي حركة ثقافية عابرة للطوائف وأطياف المجتمع اللبناني.
تم تحرير النص بصورته الحالية، عن نص أصلي للمهندس وسام غصن من قبل قسم التحرير في موقع "إليسار نيوز".