اكتشاف طائر نادر في حمى حمانا!
سوزان أبو سعيد ضو
يحتل لبنان موقعا هاما لجهة التنوع البيولوجي، بسبب وجود الموائل المختلفة فيه وطبيعة جغرافيته بين جبال ووديان وصحار وأيضا لغناه بالمياه ومناخه المتنوع بين حار ورطب، وكذلك بسبب وقوعه على ثاني أهم ممر للطيور المهاجرة وهو ممر شرق البحر الأبيض المتوسط the eastern Mediterranean flyway، حيث يمر عبر أجوائه في الهجرة السنوية للطيور مئات الآلاف من الطيور الجارحة Raptors واللقالق Storks والطيور الحوامة soaring birds وغيرها من أنواع الطيور المختلفة، إلا أن الطيور الحوامة التي هي مجبرة على سلوك ممرات محددة تكثر فيها أعمدة الهواء الساخن تتعرض لمجازر بسبب تربص القواصين لها في الأماكن التي يعلمون أنها ستمر به، لذا فهي في تناقص مستمر وأصبح من الضروري إحصائها سنوياً، لكي نستطيع عمل ما يلزم لإنقاذها إذا ما تبين من الإحصاءات أنها مسمرة في تدهور وهبوط أعدادها.
#raptorcountlebanon2019
وكان الفضل في السابق للأخصائي في علم الطيور الدكتور غسان جرادي والسيد كولن بيل بالقيام بعمل إحصاءات بينت أعداد الطيور العابرة والمسالك التي تتبعها وذلك في خريف 2001، ومن ثم نشر الدكتور جرادي الإحصاء الثاني الشامل لأعداد الطيور الحوامة وأنواعها خلال عبورها لبنان في ربيع عام 2016.
ومؤخرا بدأت جمعية "حماية الطبيعة في لبنان" SPNL وبالتعاون مع شركاء دوليين، ومجموعة من الخبراء وحماة الحمى من طلاب ومتطوعين بـ "حملة #raptorcountlebanon2019"، وهي حملة لتعداد هذه الطيور الجارحة عبر زيارات ميدانية لمناطق "الحمى" المختلفة، وفي نفس الوقت حملة توعية للعامة والطلاب والمسؤولين حول ضرورة المحافظة على الطيور وتركها تمر بسلام.
الحمى
و"الحمى" مفهوم قديم تم تبنيه من قبل "جمعية حماية الطبيعة"، وهي مناطق محمية وبالتعاون مع أفراد المجتمع من البلديات وسكان مقيمين وقطاعات الإنتاج، في استعادة "نظام الحمى" مع الأخذ بعين الاعتبار حياة الناس المحيطين والمستفيدين من دورة حياة الطبيعة، لجهة تحسين سبل عيش المجتمعات المحلية من منظور اجتماعي واقتصادي وطبيعي، مع المساهمة في الحفاظ على التنوع البيولوجي فيها والمحافظة على الطبيعة ومواردها، وذلك باعتماد تكريس هذا النظام تراثي اعتمدته الشعوب العربية منذ آلاف السنين ومارسته القرى والبلدات اللبنانية كتقليد موروث لاستخدام الأراضي، بما يضمن الاستفادة القابلة للاستمرار من الموارد الطبيعية، وبما يعني الاستثمار الرشيد للموارد والمحافظة على قدرة البيئة على تجديد مواردها.
وكانت باكورة حملة تعداد الجوارح، أن تمكن فريق من الفرق المشاركة من مشاهدة لطائر نادر في "حمى حمانا"، وقد كتب أحد المشاركين Martin Kaech على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" عن مشاهدات للعديد من الطيور الجارحة وغيرها، ومشاهدة محتملة لطائر Crested Honey Buzzard النادر، وكان هناك مجموعة كبيرة من الناشطين وبينهم Valentin Moser حيث تم التواصل مع خبير الطيور الدكتور غسان جرادي للتأكد من نوع هذا الطائر.
حوام العسل
وفي هذا المجال قال جرادي لـ "إليسار نيوز": هنالك نوعان من حوام العسل يزوران لبنان في كل موسم هجرة، أحدهما حوام العسل الأوروبيPernis apivorus ، وهو يمر بأعداد مؤلفة، ويعتبر من أوائل الجوارح التي تمر في لبنان خلال هجرة الخريف، ومن أواخر الطيور التي تمر في هجرة الربيع، رأسه يبدو صغيراً بسبب غياب محجر العين البارز الذي نجده عند العقبان والصقور وغيرهم من الجوارح، بل هو بالرغم من كونه من الطيور الجارحة يبدو رأسه أقرب إلى رأس الحمامة".
وأضاف جرادي:"أما النوع الثاني فهو أيضاً له نفس المواصفات، ويسمى بحوام العسل المعرّف Pernis ptilorhynchus، ومروره في لبنان نادر جداً، ربما لأنه آسيوي يفرخ بين في غرب سيبيريا، فالطيور التي تفرخ من وسط سيبيريا إلى اليابان من هذا النوع لا تهاجر، بينما التي تفرغ في غرب سيبيريا فهي تهاجر وتمر في منطقة الشرق الأوسط، إذ يشاهد أفراد منها في بلدان الخليج وبلدان شرق المتوسط في طريقها إلى أفريقيا، ولا يلزمها بالضرورة المرور في لبنان كما يفعل الحوام الأوروبي".
مجازر الطيور في لبنان
وقال جرادي:"بعد إطلاعي على الصورة التي أخذها الصديق وخبير التصوير ومراقبة الطيور ورئيس جمعية حماية الطيور في لبنان فؤاد عيتاني، حينما كان يشارك مع مجموعة من شركاء البيردلايف السويديين والسويسريين بتعداد الطيور الحوامة المهاجرة ضمن إطار حدث بيئي نظمته جمعية حماية الطبيعة SPNL في حمانا ومناطق أخرى في لبنان، وبهدف نشر التوعية للمحافظة على الطيور المهاجرة والحد من المجازر التي تتعرض لها، خصوصا بعدما تبين أن 10 بالمئة من الطيور المصطادة في بلدان حوض المتوسط تقتل في لبنان، وبعد الإطلاع على الصورة المذكورة وكذلك على صورة أخرى أخذها المراقب السويسري Martin Kaech من "بيرد لايف سويسرا" BirdLife Switzerland، تبين أن للطائر 6 ريشات رئيسية (تسمى أصابع) بارزة وليس خمس، وأن له خطاً خلفياً للجناحين داكنا قريباً للسواد، كما له شريط أسود قبل نهاية الذيل، وليس مع نهاية الذيل، وليس له بقع داكنة عند الرسغ، ولقد لاحظت أيضاً أن عينه سوادء وهذا يعني أنه ذكر، لأن للأنثى عيون صفراء، فهناك صفات جسدية تميز الذكر عن الأنثى في هذا النوع من الجوارح، وكل ذلك يكفي للقول أن الصورة لا شك في أنها لهذا النوع النادر".
أربع مشاهدات
وتمثل هذه المشاهدة لهذا الطائر الرابعة في لبنان، حيث كانت الأولى في العام 2003 للدكتور غسان جرادي وزملائه في منطقة أرنون Arnoun، والثانية في العام 2006 بالقرب من بحمدون لبالمر وبتون Balmer & Betton، والثالثة في العام 2011 للدكتور غسان جرادي وجون وسارة ووتربريJohn& Sara Waterburry في مدينة عاليه، والرابعة هي هذه الحالة التي وثقها فؤاد عيتاني ومارتن كايش.
وعن الطائر أشار جرادي إلى أنه: "يتغذى هذا الطائر على يرقات النحل والزراقط والصراصير البرية والحشرات الأخرى، ويمتد موطنه من غرب سيبيريا إلى اليابان، ومن وسط سيبريا إلى اليابان وهنالك مجموعة مقيمة أما المهاجرة فهي في غرب سيبيريا ويمر بعضها في الشرق الأوسط والبعض القليل منها يمر في لبنان، وقد يشاهد في تركيا وبلدان الخليج العربي وفي فلسطين وفي سوريا أثناء الهجرة ولكنه ليس عبر خطوط ثابتة كما للجوارح الأخرى".
وختم جرادي: "على أمل أن يكثر عدد أمثال فؤاد في لبنان الذي أتمنى له وللوفد السويسري والسويدي وعلى رأسهم الأخ العزيز أسعد سرحال مدير عام جمعية حماية الطبيعة SPNL) راعي الحدث الهادف والمشوق والمميز".
وبدورنا في "إليسار نيوز"، عبر توثيقنا هذه المبادرات القيمة، نأمل أن تكون رسالة للبنانيين للمحافظة على هذه الثروات النادرة التي يقدمها موقع لبنان الجغرافي المتميز لجهة التنوع البيولوجي للأنواع المقيمة والمهاجرة، والذي نكتشف المزيد عنه يوما بعد يوم، على أن تنعكس وعيا لدى المواطنين بحماية هذه الأنواع وخصوصا الجارحة والحوامة منها وعدم صيدها، لما تقدمه من خدمات للتوازن البيولوجي.
Photos by: Maher Rouhana