هل تنقذ زراعة الأشجار كوكب الأرض؟
سوزان أبو سعيد ضو
اعتبرت العلاقة بين زراعة الأشجار والحد من الإحترار المناخي، لا تتعدى كونها شعارا متداولا ورائجا، ونوعا من الاستنتاج الضمني بأثر وجود الأشجار والغطاء النباتي في تلطيف المناخ، إلا أن دراسة حديثة، أكدت هذا الأمر ليصبح حقيقة علمية مؤكدة بالأدلة والأرقام!
تخزين كميات هائلة من الكربون
فقد أكدت دراسة نشرت يوم الخميس الماضي في مجلة ساينس Science العلمية، بالبيانات وبمعلومات مستفيضة، أنه إذا تم زرع الأنواع المناسبة من الأشجار في أنواع التربة الصحيحة في كافة أنحاء كوكب الأرض، فإن هذه الغابات الناشئة يمكن أن تخزن كمية هائلة من الغاز المتسبب بالإحترار المناخي، أي ثاني أوكسيد الكربون عند بلوغها ونضوجها، أي بين الأربعين والمئة سنة القادمة، وتقدر هذه الكمية بثلثي جميع كمية ثاني أوكسيد الكربون التي ولدها البشر منذ الثورة الصناعية.
يقول توماس كراوثر Thomas Crowther، أستاذ علم البيئة العالمية للنظم الإيكولوجية في المعهد السويسري الفيدرالي للتكنولوجيا Swiss Federal Institute of Technology في زيورخ، ومؤلف الدراسة: "إن استعادة الغابات هي أكثر حلولنا جدوى اليوم على مستوى الكوكب".
وقام الفريق البحثي بتحليل ما يقرب من 80،000 صورة للأقمار الصناعية تم فيها توثيق غطاء الأشجار في كافة أنحاء العالم، وتم جمعها ضمن قواعد بيانات عالمية هائلة، تشمل معلومات حول التربة وظروف المناخ، وتقييم كل هكتار في كل منطقة تمت دراستها، ونتج عن قاعدة البيانات هذه، خارطة تفصيلية لعدد الأشجار التي يمكن أن تنتجها كل أرض، والتي يمكن أن تنمو بشكل طبيعي في الظروف المحيطة، فضلا عن الأماكن حيث تنمو الغابات حاليا وأين يمكن أن تنمو هذه الغابات، لا سيما خارج مناطق مثل الصحاري والسافانا التي يمكن أن ينمو فيها عددًا ضئيلًا من الأشجار أو لا تنمو فيها الأشجار، ثم قام الفريق باستثناء مناطق الغابات الحالية وكذلك المناطق الحضرية والأراضي المستخدمة للزراعة من المجموع الكلي، وبقي نتيجة ذلك مساحة قدرت بـ 0.9 مليار هكتار (مساحة الولايات المتحدة الأميركية)، حيث يمكن أن تزرع فيها غابات، ولم يكن هناك غابات في أي وقت سابق، وإذا قدر لهذه المساحات أن تزرع بالأشجار والتي يمكن أن تنمو إلى مرحلة النضوج والبلوغ، فإن هذه الأشجار يمكنها تخزين 205 جيغا طن من الكربون في الوقت الذي تصل فيه الأشجار إلى نموها الكامل أي حين تصل إلى مرحلة "النضوج" و"البلوغ".
فوائد إضافية للغابات
وتوصل الفريق العلمي إلى ابتكار "آداة تخطيط" مرتبطة بالخارطة والتي ستكون متاحة للجميع بدءًا من 5 تموز/يوليو، حيث يمكن للأفراد والمؤسسات القيام بالبحث في أي مكان لمعرفة أين يمكن إنشاء غابات جديدة.
ولم يتطرق كراوثر ببحثه إلى تقنيات حديثة في عزل وتخزين الكربون الأخرى التي تمت مناقشتها مؤخرًا، مثل تسميد المحيطات (زراعة الطحالب لامتصاص الكربون) أو التقاط الكربون مباشرة من الهواء (الآلات التي تسحب ثاني أوكسيد الكربون من الجو)، لكنه يعتقد أنها ستكون مكلفة أكثر بكثير من زراعة الأشجار، ويقدر أنه قد يكلف العالم 300 مليار دولار لزراعة 0.9 مليار هكتار، كما توفر الغابات الجديدة فائدة قوية أخرى: فهي تعمل على استعادة التنوع البيولوجي، وهو أمر بالغ الأهمية لأن العديد من الأنواع النباتية والحيوانية تختفي، وقال كراوثر إنه بدأ دراسة إعادة التحريج لأنه كان يبحث فعلا عن طرق لوقف فقد الأنواع، وأضاف "إن الفوائد الهائلة للغابات والتي تتجاوز عزل الكربون تأتي من التنوع البيولوجي، وتوفير الغذاء والأدوية والمياه النظيفة وجميع أنواع الأشياء الضرورية الأخرى للبشر".
أين يمكن زراعة هذه الغابات؟
توضح الدراسة أين يمكن زراعة هذه الأشجار في العالم ، وكم من الكربون يمكنها تخزينها، (فالأشجار تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الجو وتستخدمه في عملية تسمى التمثيل الضوئي photosynthesis، والتي تسمح لها بالنمو وتخزين هذا الكربون في نهاية المطاف في أوراقها وأجزاء أخرى)، وتمتلك روسيا أكبر مساحة إذ تبلغ 583000 ميل مربع (1.5 مليون كيلومتر مربع) ووجد الباحثون أن الولايات المتحدة تليها بمساحة 397،700 ميل مربع (مليون كيلومتر مربع)، وتاليا كندا مع 302،700 ميل مربع (784،000 كيلومتر مربع) ، أستراليا مع 223،900 ميل مربع (578،900 كيلومتر مربع) ، البرازيل مع 191،900 ميل مربع (497،000 كيلومتر مربع) ، والصين مع 155،200 ميل مربع (402،000 كيلومتر مربع).
آراء وملاحظات!
من جهتها لفتت عالمة البيئة والأحياء التطوري في جامعة كونيتيكت University of Connecticut روبن تشازدون Robin Chazdon والتي لم تشارك في الدراسة، إلى أن "سحب وتخزين كل هذا الكربون من الجو قد يستغرق وقتًا أطول مما كان متوقعًا"، وأضافت: "إن الغابات قد تحتاج إلى أكثر من 70 إلى 100 عام للوصول إلى مرحلة النضج الكامل"، ومع ذلك ، تقول إن "أي عملية لإعادة الزراعة يجب أن تبدأ في أقرب وقت ممكن لأن تغير المناخ من المرجح أن يعرض للخطر قدرة الغابات على النمو"، وأشارت إلى أن "ارتفاع درجات الحرارة تزيد من تنفس الأشجار، ما يسبب لها الإجهاد، ونتيجة لذلك سوف تتسع رقعة الجفاف، وتحد من نمو الأشجار".
ولحظ كروثر أنه "على الرغم من أن التغير المناخي سيسمح لمزيد من الأشجار بالنمو في خطوط العرض الشمالية، إلا أنه سيؤدي إلى جفاف في أشجار خطوط العرض الاستوائية"، ويقول إن "فقدان الأشجار في المناطق المدارية سوف يتجاوز المكاسب في أقصى الشمال".
وحذرت تشازدون من أن إعادة زرع الغابات قد لا تكون بسيطة كما يبدو، وتساءلت عما "إذا كان 0.9 مليار هكتار جديد سيكون ممكناً على الإطلاق، بالنظر إلى الأولويات المتنافسة فعليا على الأرض"، وأشارت إلى أن "المزيد من الأشجار تستهلك كميات أكبر من المياه، وهذا يمكن أن يهدد الزراعة أو غيرها من الأنشطة البشرية في المناطق الجافة، كما قد لا يرغب السكان المحليون في الحصول على الغابات إذا أمكنهم الحصول على دخل من الأرض، من الزراعة أو الرعي"، وأضافت: "إن بعض برامج إعادة التحريج البارزة، مثل تلك الموجودة في الفيلبين ، قد فشلت بسبب عدم وجود مشاركة محلية".
المصادر: مجلة Science، Scientific American، "إليسار نيوز" ووكالات.
الصور: من ألبوم المصور والناشط البيئي Khaled Taleb.