هل تكافح "زراعة الكربون" تغير المناخ!
متابعة وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو
تعتبر زراعة الكربون Carbon Farming الطريقة الأحدث وربما "المبالغ" في تأثيرها في مجال مكافحة المناخ، وفي هذا المقال، وعبر "إليسار نيوز"، وفي مقاربة عملية لكافة المبادرات الجديدة في مجال الحفاظ على البيئة ومكافحة التغير المناخي، نستكشف معا آراء علماء على طرفي نقيض، والبحث في هذا المصطلح والمنحى في مجال الزراعات المتجددة، خصوصا وأنه قد أصبح استخدام المزارعين أراض زراعية لالتقاط وتخزين المزيد من الكربون في التربة، أمرًا عصريًا و"تقليعة" جديدة، لكن العلم لا يزال غير مستقر بشأن مقدار ما يمكن أن يساعد هذا الأمر في معالجة تغير المناخ.
تخزين الكربون
ويتابع عدد متزايد من المزارعين استكشاف إمكانية التقاط وتخزين كميات أكبر من ثاني أوكسيد الكربون في التربة كوسيلة لمكافحة تغير المناخ.
بطبيعة الحال، تقوم التربة بتخزين كمية من الكربون، معظمها من النباتات المتحللة والمواد الحيوانية، وقد قدرت الأكاديمية الوطنية للعلوم The National Academy of Sciences في دراسة أجريت العام الماضي أن الأراضي الزراعية العالمية يمكنها التقاط وتخزين ما يصل إلى 3 مليارات طن من ثاني أوكسيد الكربون الإضافي، إذا تبنى المزارعون عددًا من الممارسات المحسنة في الزراعة، بما في ذلك إضافة مواد عضوية مثل السماد العضوي، وتحويل الزراعة لصالح المحاصيل التي تساهم بتخزين الكثير من الكربون في التربة، أو استخدام الأراضي خارج المواسم لزراعة بعض المحاصيل التي سوف تتحلل بعد ذلك.
حوافز
وفي هذا السياق، بدأت ولاية كاليفورنيا الأميركية بتوفير منح صغيرة من منح cap and trade works لتشجيع المزارعين الذين يستخدمون التقنيات الواعدة بتخزين الكربون، كما أعلنت شركة واعدة واسمها Indigo AG في مدينة بوسطن مؤخرا، عن خطة لدفع الأموال للمزارعين لمتابعة ممارسات مماثلة في أراضيهم، ثم بيع أرصدة الكربون للشركات أو الأفراد، الذين يبحثون عن طرق لتعويض آثار ممارسات نشاطاتهم على المناخ.
ووفقًا لما ذكره مشاركون في مناقشة في جلسة حول "زراعة الكربون" في المؤتمر السنوي لمعهد The Breakthrough Institute في سوساليتو، كاليفورنيا، يوم الخميس الماضي، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين والشكوك، فيما يتعلق بمدى الفائدة التي توفرها هذه الجهود على المناخ، وما هي أفضل الممارسات في ظل ظروف التربة والمناخ المختلفة، وما إذا كانت هناك طرق أكثر موثوقية لموازنة انبعاثات غازات الدفيئة في هذا المجال.
وقال نواه ديش، المدير التنفيذي لـ Carbon180، وهو مركز أبحاث يشجع على عملية إزالة الكربون وإعادة تدويره، إنه منذ بداية الزراعة ، أطلق الكوكب حوالي 500 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون من التربة، أي حوالي 14 ضعف الكمية المنبعثة من كافة أنواع الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة الأخرى على مستوى العالم العام الماضي، فهو خزان ضخم يمكن إعادة تعبئته، إذا أمكن تصميم هذه النظم الإيكولوجية لتخزين مستويات أعلى من ثاني أوكسيد الكربون.
وقال ديش "لكن من هذا المنطلق الأساسي، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا بكثير"، وأضاف: "لا يزال هناك الكثير من الأمور المجهولة حول كيفية عمل النظم الإيكولوجية المختلفة لميكروبات التربة فعليا، فضلا عن الممارسات الأكثر فعالية في التقاط وتخزين ثاني أوكسيد الكربون". وأردف: "إن أكثر ما نحتاج إليه الآن، هو إجراء الكثير من التجارب الميدانية في العديد من الأماكن المختلفة لاستكشاف هذه الأشياء بتفصيل أكبر".
معارضة وآراء علمية متناقضة
واتخذ الباحث في جامعة برينستون تيموثي سيرشنجر Timothy D. Searchinger موقفا أكثر تشكيكا، وقد درس سيرشنجر عن كثب إمكانات زراعة الكربون من أجل إعداد تقرير لمعهد الموارد العالمية World Resources Institute القادم، بقدرة هذا المجال والتقنيات المختلفة في إحداث تغييرات جذرية، وقال "إن هناك قيوداً وحدودا على مقدار ما يمكن للمزارعين من تغيير لممارساتهم بهدف إدارة التربة، فضلا عن القيود الأخرى على مقدار الكربون الذي يمكننا تخزينه بشكل موثوق في التربة التي نواصل زراعتها، بالإضافة إلى ذلك ، قد تتم بعض النتائج التي يمكن أن تُعزى إلى الزراعة الكربونية".
وتابع: "وجهة نظرنا عمومًا هي أن هذا الأمر كان عملية إلهاء ضخمة، فلدينا عدد هائل من الأشياء التي يجب القيام بها لحل مشاكل الزراعة وتغير المناخ، وكربون التربة ليس كذلك، على الأقل من وجهة نظر التخفيف".
وشدد سيرشنجر على أن "الأولوية الأولى والأكثر أهمية لتقليل التأثير المناخي للزراعة هي وقف إزالة المزيد من أراضي الغابات لذلك الغرض"، وقال: "ليس هناك شكوك علمية حول ذلك، إن أزلت غابة تفقد الكثير من الكربون، وعلى وجه الخصوص، نحتاج إلى بذل جهود إضافية للحفاظ على أراضي (الخث) Peatlands أو استعادتها، وهي نوع من الأراضي الرطبة التي تطلق كميات هائلة من ثاني أوكسيد الكربون عندما يتم تجفيفها وتحويلها إلى استخدامات زراعية".
وأشار إلى أن "زيادة الإنتاجية في مناطق الرعي والمحاصيل - من خلال عمليات زراعية أفضل أو مواد غذائية أو محاصيل أو بذور أفضل - يمكن أن يحقق فوائد أكبر، وذلك من خلال تخفيف الضغط لتوسيع العمليات الزراعية، والأفضل من ذلك هو أن يحول المزارعون بعض الحقول إلى أراض عشبية وغابات، التي تخزن كميات أكبر بكثير من الكربون في أوراقها وجذوعها وجذورها والتربة".
رأي آخر
لكن كالا روز أوستراندر Calla Rose Ostrander من مشروع Marin Carbon Project (وهو مشروع بحثي لتحسين عزل الكربون في التربة، في مقاطعة من ولاية كاليفورنيا تحمل الاسم نفسه) قالت "إنه من الصعب إجراء استنتاجات عالمية معممة حول زراعة الكربون"، وأضافت:"عندما يتعلق الأمر بعلوم الكربون في التربة، عليك أن تتبع مقاربة محددة للمناطق المختلفة التي نعيش فيها، وإلى نظام المحاصيل الذي تعيش فيه، وإلى المناخ الذي تعيش فيه" ، وأشارت إلى أنه "يعتمد برنامج التربة في كاليفورنيا على عقد من الأبحاث التي استعرضها النظراء في هذا المجال، لاستكشاف مدى وكيفية امتصاص الكربون في أعماق التربة المختلفة في كافة أنحاء الولاية".
وختمت أن "الهدف من هذه الجهود ليس مجرد احتجاز الكربون وتخزينه، ولكن إنشاء تربة يمكن أن تكون منتجة زراعياً وصديقة للمناخ".
لمشاهدة فيديو إضافي عن هذه المبادرات:
https://www.youtube.com/watch?v=Z91QsZA1l_w
المصدر: MIT Technology Review