10 وفيات بالسرطان في أقل من شهرين... من ينقذ برجا أيضا؟
سوزان أبو سعيد ضو
لا تغرنكم الصورة الرائعة التي أرفقناها بهذا المقال لبلدة برجا الشوفية في إقليم الخروب، فالبلدة محاطة بمصادر التلوث القاتل والموت الذي يقطف زهرة شبابها وأهاليها بالمرض الخبيث.
وقد صلى شيخ الجامع الكبير في برجا الشيخ جمال بشاشة يوم 27 كانون الثاني/يناير2019 مريض السرطان العاشر الذي توفي بعد معاناته مع المرض الخبيث من بين 21 حالة وفاة في الفترة الممتدة بين 20 كانون الأول/ديسمبر 2018 و27 كانون الثاني 2019، وهناك إحصائيات غير رسمية كارثية يتابعها ناشطون من الشباب في برجا، فالأهل "يتهدسون" بجيرانهم ويشتاقون لأولاد بلدتهم، وحاراتهم، وأهلهم وأصدقاء طفولتهم، ومن كان يرتاد ساحاتها في الماضي القريب، ويشارك في الأعياد والصلوات والأفراح والحسرات.
وأظهرت إحصاءاتهم أن نسبة الوفيات بمرض السرطان شكلت 15 بالمئة من اصل 107 وفيات في العام 2015، و 16 بالمئة من أصل 104 وفيات في العام 2016، بينما وصلت إلى 28 بالمئة من أصل 97 متوفي في العام 2017، وسيزود الناشطون موقعنا بإحصائيات عام 2018، وإن كانوا يؤكدون أن النسبة إلى ارتفاع.
وقال الشيخ بشاشة على صفحته الخاصة في موقع "فيسبوك": "منذ العشرين من كانون الأول 2018 لغاية اليوم 27 كانون الثاني 2019 أي منذ قرابة سبعة وثلاثين يوماً، هناك 21 حالة وفاة في برجا الشوف، عشر حالات راحت بسبب المرض الخبيث"، وهذا العدد الكبير مفجع لبلدة تعتبر واحدة من أكبر البلدات في لبنان، إذ يصل عدد سكانها 30 ألف نسمة، يضاف إليهم حوالي 8 آلاف من النازحين السوريين، فضلا عن أنها تعاني من تناقص الموارد المائية وانحدار مستوى البنى التحتية من صرف صحي لمواجهة الزيادة السكانية، فضلا عن العبء الصحي والإقتصادي للأمراض الناتجة عن تحديات التلوث المحيطة بالبلدة.
وقال بشاشة لـ "إليسار نيوز" تعليقا على اختيار منطقة الإقليم كمكان لطمر النفايات: "منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى اليوم، والدولة تدير مشكلة النفايات بطرق ارتجالية، وتخضع لمعايير العرض والطلب والتجارة، وهذا ينطبق على كل القضايا الحياتية للناس . الخداع عبودية، ولن نرضى أن نكون عبيداً وقطيعاً، مفجع هذا الكم من الإهمال لأهل برجا والإقليم والشوف، وهل هذا البلد لم يعد فيه متسع لنا نحن أهل هذه المنطقة، لذا لم ندرج على قائمة أي إنماء أو مشاريع؟ هل كتب علينا أن نتجرع السم، وأن نتحمل الفظاظة، وأن تحل علينا اللعنة بدل البركة؟ أليس عاراً وطنياً وأهلياً أن تحيق بنا الكوارث البيئية من معمل الجية الكهربائي إلى معمل ترابة الموت في سبلين إلى الكسارات التي تنهش جبالنا، إلى مشاريع البطر والفجعنة والتي تسمى سكنية، والتي أتت على مجمل أرضنا الخضراء إلى المكبات العشوائية التي تنتشر في كل طريق! ولا من يسأل فينا، أو يدافع عنا، أو ينظر في أحوالنا البائسة!".
ووفقا لمصدر من البلدة يمثل مجموعة من الشباب الناشط: "لا يخفى على أحد أن بلدتنا والبلدات المجاورة محاصرة من الملوثات الضخمة: ومنها على سبيل المثال لا الحصر، معمل الجية الحراري، فضلا عن الباخرتين التركيتين على شاطئ الجية، معمل ترابة سبلين، ثلاث كسارات ضخمة وناشطة (والنشاطات داخلها مختلفة: من مجابل باطون الى زفاتات وخلافه)، مرفأ "فحم حجري" وهي من المواد الملوثة والخطيرة جداً، الاوتوستراد الدولي، صناعات متفرقة منتشرة في كل زواية نتيجة غياب تخطيط واضح وعدم متابعة من البلديات والدولة، عدم تشغيل محطة تكرير المياه المبتذلة بالجية وهي تؤدي لتلوث البحر (تقرير موقعنا عن هذه المحطة)، قضم مناطق حرجية وايضاً دون تخطيط، بهدف التوسع العمراني، بالاضافة الى وجود بعض المشاحر لإنتاج الفحم، ولا نتسى مكب النورماندي الشهير سابقا، والذي يقال أنه يحتوي براميل من نفايات سامة آتية من اوروبا خلال الحرب، وطمرت في منطقتنا وبعلم مسؤولي المنطقة".
وأضاف عند سؤاله عن أثر النازحين واللجوء السوري على المنطقة: "من المؤكد أن أزمة اللاجئين فاقمت الوضع، ولكنها ساعدت بإلقاء الضوء على ما سيحدث في المستقبل، نتيجة للزيادة السكانية، ولكن هل من يتعظ؟".
وبالمقابل لم تعط وزارة الصحة خارطة لمرض السرطان وتوزعه في لبنان، ولكن وفقا لتقرير صدر في أيلول/سبتمبر من العام الماضي عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فقد احتل لبنان المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، ولفت التقرير الى أن هناك 242 مصاباً بالسرطان بين كل 100 ألف لبناني، فيما سجلت أكثر من 17 ألف إصابة جديدة في 2018، ونحو تسعة آلاف وفاة بالمرض، وهذه الأرقام كارثية لكنها أظهرت حقيقة مخيفة، أن ضحايا السرطان في السنة أكثر من عدد الضحايا الذين سقطوا بين اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 وعدوان تموز 2006، والذين يقدرون بخمسة آلاف ضحية سنوياً، فقد سجلت في العام الماضي 8976 حالة وفاة بسبب مرض السرطان ، كما لا تدلي وزارة البيئة بمعلوماتها حول مدى ونسب التلوث المختلفة في لبنان وأماكن تركز وجوده، وإن كان ملف البيئة في لبنان وتشعباته وآثار التعديات المختلفة أصبحت تمس بكافة مناحي الحياة، ولكن آثارها لا تستثني أحدا، فالتلوث متشعب المصادر والضرر، ويطاول كافة المناطق إلا أن الضحية واحدة وهي المواطن لا فرق في انتمائه السياسي أو الطائفي أو المذهبي، فمن المسؤول؟!
الصور والفيديوهات الملحقة من صفحة برجا على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" لمصادر التلوث المختلفة:
https://www.facebook.com/barja.net/videos/2066264816998388/
التلوث يلف المنطقة
https://www.facebook.com/barja.net/videos/138257317108273/